شيخ التربويين الدكتور حامد عمار يفتح النار على مشاگل التعليم في مصر

Publié le par Mahi Ahmed

شيخ التربويين الدكتور حامد عمار يفتح النار  على مشاگل التعليم في مصر

حوار : لبيبة النجار

تفاقمت مشاكل التعليم في مصر في مستوياته المختلفة ، التعليم الأساسي والثانوي العام والفني والتعليم الجامعي ، وتآكلت مجانية التعليم أمام هجوم التعليم الخاص والدروس الخصوصية وأقسام اللغات بمصروفات والأقسام المتميزة في الجامعات الحكومية والجامعات الخاصة ، وأصبحت شعارات العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص التعليمية في خبر كان ، وتحول التعليم إلي حقل تجارب تتغير أنظمته مع كل وزير جديد ، فمن إلغاء الصف السادس الابتدائي إلي عودته ، ومن إقرار الثانوية العامة نظاماً بسنتين ، إلي نظام الثانوية بسنة واحدة ، ومن نظام التقويم التراكمي متعدد الفرص إلي إلغائه ثم عودته بدون أي فرص ، ومن الثانوية العامة كمرحلة مؤهلة للالتحاق بالتعليم العالي والجامعي إلي نظام الثانوية العامة الجديدة كمرحلة منتهية مؤهلة لسوق العمل ، إلي اختراع نظام امتحانات القدرات ، والأقسام المتميزة بمصروفات ، الأمر الذي أنشأ نظامين للتعليم في مصر ، هما نظام تعليم الفقراء ونظام تعليم الأغنياء .

لماذا وصل حال التعليم عندنا إلي هذا الوضع ؟ هل بسبب غياب الرؤية التربوية السليمة أم لأسباب أخري سياسية واجتماعية ؟ هل هو تخبط تربوي وتعليمي أم توجه اقتصادي واجتماعي ؟

توجهنا إلي الدكتور حامد عمار شيخ التربويين المصريين والعرب بأسئلتنا وتساؤلاتنا ففتح النار علي مشاكل التعليم المتنوعة ، وكان هذا الحوار الشامل:

- ما هي مشكلة التعليم الحقيقية في مصر ؟ هل غياب رؤية تربوية شاملة والتركيز علي الإصلاح الجزئي؟

< مشكلة التعليم هي مشكلة ما يسمي بالإصلاح الاجتماعي، وكل الرؤي الموجودة حاليا لتطوير مجتمع مؤسساتي أو لتطوير التعليم هي رؤية التوجه والارتباط بالخارج، وتجسد ذلك في التوجه نحو اقتصاديات السوق وتحرير التجارة والخصخصة، وانتقل التعليم من ضرورة وضع رؤية استراتيجية تكفل إصلاح التعليم وتحقيق التنمية الشاملة للمجتمع إلي رؤية قوانين الاستثمار والانفتاح، والتوجه نحو الاقتصاد الحر وتشجيع الاستثمار الخاص وإباحته في مختلف قطاعات التنمية منذ منتصف السبعينيات أيام السادات، وأصبح المضي قدما في خصخصة التعليم وفتح الباب علي مصراعيه أمام القطاع الخاص للاستثمار في التعليم بكل مستوياته، أي أن رأس المال الخاص سيتولي قيادة المجتمع في الاستيراد والتصدير والإنتاج، وبالتالي انسحبت الدولة تدريجيا من مجال التعليم ، ولا بد لي أن أقول إن الدولة تركت بذكاء هذه المسئولية للقطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وأصبح كل ما هو خاص أو أجنبي أكثر كفاءة مما هو حكومي وبدأ الإقبال علي إنشاء المدارس الخاصة تحت شعار العولمة والخصخصة.

- هل معني أن الدولة اعتمدت سياسة تحرير الاقتصاد والخدمات تنفيذا للأجندة الدولية هو اتجاه واضح لخصخصة التعليم وإلغاء المجانية؟

< المجانية بطبيعة الحال حق إنساني وطني لا يقبل التفاوض، فالتعليم بالمجان حق في جميع مراحله تكفله الدولة بحسب الدساتير والقوانين وهي التي تتولي تمويله والإنفاق عليه في جميع مراحله، ولكن دخول القطاع الخاص وتخلي الدولة عن مسئوليتها أدي إلي غياب مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية والتفاوت الاجتماعي بين الطلاب ، وأصبحت ظاهرة التفاوت الاجتماعي في التعليم والتباين وانعدام العدالة من فرص التعليم واضحة، وارتبطت بالتعليم العالي ، وهو ما أريد أن أتكلم عنه لان المشكلة الدائرة الآن بين المسئولين عن التعليم هي جعل التعليم العالي بمصروفات وان يدفع الطالب تكلفته كاملة، وهذا في آخر تصريح لرئيس الوزراء منذ شهرين وكان في لقاء مع صحفيين من الأهرام، قال لهم إن الدولة يكفيها أن تتولي شئون التعليم الأساسي وأن كل تعليم بعد ذلك علي صاحبه أن يتحمل تكلفته، وهؤلاء الذين يستطيعون دفع مصروفاته هم الأغنياء، وهذه القيمة المدفوعة تحدد علي نحو دقيق الفئة الاجتماعية القادرة علي تحمله، لأن المصروفات في بعض الجامعات الخاصة تصل إلي 100 ألف جنيه، وعلينا أن نكف عن الجدل والمراوغة في قضية المجانية حتي يتم زيادة دخل الفرد خمسة أمثال قيمته الحالية علي أن يكون دخل الفرد يسمح بحياة كريمة إلي جانب دفع مصروفات التعليم ، لأنه من يستطيع الدفع سيصبح صاحب المعرفة والمهارات والقدرات التي تدخله إلي سوق العمل، وسيؤدي ذلك إلي التفاوت في مخرجات التعليم وتهميش عدد كبير من الفقراء.

- توجد في مصر 18 جامعة حكومية بما فيها جامعة الأزهر و17 جامعة خاصة بما فيها الجامعة الأمريكية فما هو الهدف الحقيقي من إصدار قانون بإنشاء جامعة أهلية، ولماذا تم إلحاقها بقانون الجامعات الخاصة؟

< ما يحدث هو نوع من الخداع، استغلوا اسم الجامعة الأهلية التي أنشئت سنه 1908 اي جامعة القاهرة الآن، عدد من اصحاب رؤوس الاموال تقدموا لينشئوا جامعة أهلية تستقبل أيضا اسهامات من جهات أخري والدوله تساعدها وهي جامعة خاصه بالثلث وليست جامعة أهلية بالمعني الصحيح، الجامعة الأهلية لماذا أنشئت وليه فكروا فيها لان الجامعات الخاصة تكلفتها عاليه لا يقدر عليها الا الاغنياء فارادوا ان تكون هناك جامعة لأبناء الطبقه الوسطي، وتكون مصروفاتها اقل من الجامعتين الخاصة والأجنبية، والدولة تنسحب بكل بساطة من مسئوليتها في الانفاق علي التعليم وتفسح المجال لانشاء الجامعات الخاصة التي بدأت بأربع جامعات ووصلت الي 17 جامعة والبقية تاتي، وهذه شطارة رأس المال الذي يفتح كل الأبواب ويقدم المعلوم للحكومة ويفتح جامعة، وبالتالي النظام التعليمي متمشي الآن مع التفكك والتشرذم الطبقي الموجود حاليا والتعليم حاليا أصبح لأبناء النخبة والقادرين ماليا.

ازدواج النظام التعليمي

- كيف تنظر إلي واقع التعددية في العملية التعليمية ( تعليم حكومي عام - تعليم حكومي بمصروفات - تعليم خاص - تعليم أجنبي - تعليم ديني) وما هي آثاره التربوية والثقافية والاجتماعية؟

< يلاحظ داخل التعليم الحكومي وجود بؤر بين التجريبي والحكومي العادي وبين القرية والمدينة، وبين المدارس الخاصة والاجنبية، والتعليم الجامعي العام والتعليم الجامعي بمصروفات، فهناك تعليم عام وتعليم بمصروفات وهما العلامتان للتمييز، والملحوظ الآن كما لو كان النظام الطبقي والنظام التعليمي يسيران مع بعضهما البعض وتجسدا تجسدا كاملا، بمعني انه في داخل كل مجموعة تمايزات لان الطبقة الواحدة فيها تمايزات بصورة اصبح معها النظام الرباعي هذا نظاما متكاملا من رياض الاطفال حتي الجامعة - تعليم حكومي وخاص وأجنبي وأزهري، الخطورة في هذا انه لم يعد التعليمان الخاص والأجنبي كما كان أيام طه حسين.

لقد انزعج طه حسين من وجود عشرة او عشرين مدرسة أجنبية في جميع انحاء مصر، وقال الحقوا هؤلاء الطلبة مهما كان حبهم لمصر وإيثارهم لها سوف يتأثرون في التوجه الفكري والتوجه المصيري في مستقبلهم مع الجهات الأجنبية التي ينتمون اليها، فما بالك وذلك كان في 10 أو 15 مدرسة، وليس نظاماً تعليمياً كاملاً وعلي مدي الزمن أخذ ينمو بشكل عشوائي من الابتدائي والاعدادي والثانوي والجامعة، وتركت الدولة القطاع الخاص يخرب في منظومة التعليم بشكل متكامل، وان إشكالية تعددية نظم التعليم من ديني وغربي وحكومي تعد من أخطر التحديات التعليمية والثقافية والاجتماعية التي يجابهها التعليم المصري، وأنا أجد أن التعليم بمصروفات الي جانب مخاطره وآثاره الاجتماعية في ظهور قيمة المال وتفاوت فرص التعليم وعدالتها بين مختلف الشرائح الاجتماعية وفي امكانيات الالتحاق بسوق العمل، ومع هذه الخريطة التعليمية نواجه مصادر للاختلاف القيمي والثقافي لا للتنوع الثقافي كما يدعي البعض.

واصبح أولياء الأمور ينشدون السطوة والمال والنفوذ وتوريث أبنائهم كل المزايا الطبقية الموجودة في هذا النظام التعليمي، لأن مناهجه باللغات إلي جانب تعليم واتقان اللغة نفسها بينما ظل التعليم الحكومي الرسمي يعاني من الإهمال ويدرس باللغة العربية.

- وما موقع الفقراء من هذه الخريطة وهذا النظام التعليمي؟!

< كل طبقة تسعي الي مصلحتها إلا الفقراء ينشدون حظهم ومصيرهم وقدرهم، رؤية التماسك الاجتماعي اختلفت، ولم تعد هناك دولة راعيه لهذا المجتمع، الدولة الآن مجموعة من أصحاب المال والنفوذ والسلطان، وتسير الأوضاع بطبيعة الحال لمصالح هؤلاء الأغنياء والباقي الي الجحيم، وهذا ينطبق علي النظام التعليمي الذي يزيد من تفكك الطبقة الواحدة، ويدخل صورا جديدة من التفتت بين الريف والحضر والصعيد، أي تفتت طبقي طائفي، وأيضا تفتت مهني، والدولة علي مدار السنوات السابقة أهملت التنمية الذاتية سواء في الزراعة أو في الصناعة، وهذه التنمية الذاتية من المفترض أن يعمل فيها خريجو المدارس الثانوية الفنية وخريجو الجامعات، لكن خريجي الجامعات الخاصه والاجنبية يتجهون الي العمل في الشركات المتعددة الجنسية التي لها فروع في مصر، أو يهاجرون الي الدول التي لها جامعات عندنا، لان معظم هذه الدول لا توجد زيادة للسكان عندهم، وهم يحتاجون هؤلاء الشباب المتعلمين الجاهزين للعمل عندهم لأجل التنمية ، فالتركيبة معقدة مع بعضها داخليا وخارجيا، وكل التقسيمات الطبقية والسياسية تجدها في كل موقع من المواقع، حتي اننا أصبحنا في تقسيمات طائفية وطبقية، ولم يعد عندنا مجتمع بالمعني المفهوم.

مهزلة الصكوك

- ما رؤيتك لمقولة ربط التعليم بسوق العمل؟ وما سوق العمل الآن؟

< هذه المقولة لها هدف وهو تقليل الملتحقين بالجامعة لانهم ليس لهم مكان في سوق العمل ، ولكن من المسئول عن ذلك ؟ التعليم وسوق العمل نفسه، لان سوق العمل يمتلئ بالفساد والاحتكارات، وأين سوق العمل في مصر بعد خصخصة الشركات والمصانع وتصفيتها وبيعها، أنني أري أن المسئولية مسئولية الاثنين معاً التعليم وسوق العمل، ولكن من الممكن أن نعذر التعليم، لأنه لا يمكن الحكم علي سوق العمل وامكانياته بالوقوف عند فترة زمنية محددة، ثم الحكم عليه ونسبة فشل الطلاب علي الفترة الراهنة وهذا حكم غير علمي، فسوق العمل الحالي هو عبارة عن صراعات واحتكارات وهو مليء بالخلل والاضطراب، الي درجة يشعر بها الجميع، فسوق العمل الآن يطلب خريجي اللغات والجامعات الخاصة والاجنبية، ويقلل من فرص التوظيف المفتوحة امام خريجي التعليم الحكومي، مما يحدث تفاوتاً صارخاً وتهميش قطاعات واسعة من الفقراء وانضمامهم الي طابور البطالة.

- هل الدولة لم تعد قادرة علي تحديد رؤية وهدف للتعليم؟

< الرؤية والهدف مهمان جدا، لكن الاهم ان تكون للرؤية استراتيجية وأن يتوفر لها من الامكانيات والموارد التي تمكنها من تحقيقها بشكل متواصل، والدولة عندها رؤية لهذا المجتمع، أنه مجتمع رأس المال وهذه الرؤية فيها نوع من التخطيط والتكامل، مثلا موضوع الكوبونات الذي طرحه وزير الاستثمار شيء غريب ومريب هيوزع كوبونات يشتري الفرد منها 20 سهما أو 50 ولم يقدر علي استثمارها وافلس وبالتالي سوف يبيعها بتراب الفلوس لأي جهه كما فعلت الدولة بالقطاع العام، هذه دولة فاقدة الاهلية حتي في الاستثمار، فماذا تكون رؤيتها في التعليم؟

لاديمقراطية في الجامعة

- لماذا لا يتم اختيار رؤساء وعمداء الكليات عن طريق الانتخاب تدعيما للديمقراطية الجامعية؟

< الأهم من الانتخاب حتي ولو كان بالتعيين أن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، ولابد أن يكون القيادي صاحب رؤية علي المستوي المؤسسي لا تقل عن الرؤية علي المستوي المجتمعي، وعندنا رئيس الجامعة ما هو الا موظف وتوجد خطط موضوعة من فوق ملتزم بها وزير التعليم العالي وكذلك رؤساء الجامعات، وسوف اضرب لك مثلا حين يطلب من وزير التعليم العالي تقليل اعداد الطلاب الملتحقين بالجامعات فلن يعلن ذلك صراحة بل يبحث عن حيل فنية اكاديمية، مثل نظام الثانوية العامة الجديد لان الهدف الرئيسي لهذا النظام الجديد هو تقليل عدد الملتحقين بالجامعات.

- لماذا لا تعود الانشطة الثقافية والسياسية الي الجامعات المصرية بانتخابات طلابية ديمقراطية ولائحة طلابية جديدة وعودة اتحاد طلاب مصر حتي تعود الجامعة منارة للحركة الوطنية والمجتمع؟

< أسال عن النظام ولما تحتار تطلع لفوق تشوفها جايه ازاي - النظام متسق مع نفسه فانتخابات مجلس الشعب تتم بالتزوير وتدخل الأمن فماذا إذن تكون انتخابات اتحادات الطلاب؟ النظام يعمل لضمان كل الخطوط الخلفية والامامية بصورة منتظمة ومنضبطة وتمشي في نفس السياق مفيش حد يحود شمال أو يمين ولا حودة عن الطريق، وستظل انتخابات اتحادات الطلاب ونوع الانشطة التي يمارسها الطلاب كما هي مادام الأمن له يد الطولي في الجامعات، ولكن اذا كنا جادين في تحقيق أي مطلب علينا اختراع طرق لمواجهة النظام ونكون أذكياء لكي نحصل علي حقوقنا.

وفي كتاب لاستاذ جامعي امريكي يقول: ( علموهم كيف يتحدوا النظام ) فيه ناس تقول إن التعليم محايد وليس فيه نوع من التعبئة، أنا بعلم مش علشان اعطيهم كتباً يقرأونها فقط، أنا كمدرس لابد أن يكون لي موقف، وأقدم مواقف الآخرين المختلفة في نفس الوقت، واتحادات الطلاب ليست اشتراك الطلاب في الأنشطة فقط، لكن اشتراك الطلاب في سياسة الجامعة، ولابد أن يكون للطلاب ممثلون في المجلس الأعلي للجامعات لان التعليم بوضوح هو الذي يقدم الفكر والمفاهيم والرؤي والمنطق والوعي، وأن يكون فيه بذور الإصلاح ، وصلاح عبد الصبور كان يقول ( لا تيأس يا ولدي من الغد فيوما ما سوف نعيد بناء مدينتنا قاهرة الأيام وموطن الحلم الجميل ) ولا بد أن نعمل علي تطوير الواقع بقدر استطاعتنا وعيننا علي النظام لأنه لا تطوير لنظام التعليم بدون ديمقراطية سياسية حقيقية.

- تدهورت نسبة الملتحقين بالدراسات العلمية، ونسبه الملتحقين بالقسم العلمي عن الأدبي ( 15 % مقابل 85 %) ألا يعبر هذا عن خلل حقيقي في الاستراتيجية التعليمية؟

< الصحف المصرية تردد هذه الظاهرة كثيرا ، وأنا أسأل الـ 15 % دول ليه عايزنهم أكتر من كده. هل مصر فيها تنمية حقيقية ولم تجدوا لها زبائن، وهل الـ 15 % لهم فرص في سوق العمل وأم أن جزءا كبيراً منهم بطالة، في الحقيقة الدراسات العلمية أصعب ومكلفة، والشباب عنده يقين بأنه سواء درس علمي أو أدبي فلن يجد عملا، المفروض تحسين النوعية بالنسبة للـ 15% دول أولا وذلك بتقليل كثافة الفصول وتحسين المناهج وطرق التدريس وايجاد معامل متطورة وأن يكون هناك كمبيوتر لكل طالب.

الأقسام المتميزة

- اتسعت الأقسام المتميزة بمصروفات بالإضافة لنظام الانتساب الموجه وأقسام التعليم باللغات فهل هو اتجاه لخصخصة التعليم؟

< الأقسام المميزة والكليات المتميزة حاجة ضارة بالجسم التعليمي، لأن حصول بعض الطلبة علي ميزات في هذه البرامج وحرمان فئات أخري منها لأنهم لا يملكون ثمن هذه الخدمة هو مزيد من التدهور في العملية التعليمية واستبعاد فئات ليست بالقليلة خارج منظومة التعليم الجامعي، بمعني انه سوف يتم التوسع في هذه البرامج بالتدريج، يريدون عمل كليات واقسام مميزة في هذا النظام التعليمي المخروب بحجة أن الاستثمار والتنمية تحتاج الي طلاب متميزين، لماذا لا نعود الي النظام القديم حين كان التميز علي اساس العلم وليس علي اساس القدرة المالية، فلقد كان الطالب الذي يحصل علي 75 % في السنه الاولي بالجامعة يعتبر من المتميزين وكان يضاف له مادتان للتميز والطالب يحضر المحاضرات العادية مع زملائه ويحصل الطالب بعدها علي ليسانس او بكالوريوس ممتاز، علي شرط أن يستمر طوال فترة الدراسة يحصل علي 75 % وهذا كان يعطي حافزاً للطلبة للتميز، لأن أهم قيمة للتعليم بمصروفات سواء في الاقسام المميزة أو أقسام اللغات هو ترسيخ قيم الرأسمالية المتمثلة في أن (الربح اهم من الانسان) وان تعدد نظم التعليم وتخلي الدولة عن وضعها سقف لهذا النمو العشوائي للتعليمين الخاص والأجنبي سيؤدي الي تفكك المجتمع وفقدانه اللحمة الثقافية المشتركة التي تدعم تماسكه وصلابته في مواجهة التحديات، وحتي في الصورة الحالية يوجد طلبة متميزون داخل النظام التعليمي الحكومي غصبا عن النظام، واذا أردنا الاصلاح نعلم الطلبة في الجامعات إجادة لغه أجنبية ولابد أن يكون التميز متاحاً لكل المواطنين والشرائح الاجتماعية المختلفة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

- ما تقييمك للتعليم الفني في مصر الآن؟

< لا يحصل جميع الطلاب الذين يستمرون في التعليم بعد مرحلة التعليم الاساسي علي فرص التحاق بالتعليم الثانوي الذي يعد للتعليم الجامعي بل يذهب حوالي 30 % الي التعليم الثانوي و 70 % الي التعليم الفني وهذا يرتبط أيضا بالمستوي الاجتماعي والتفاوت الطبقي بين التلاميذ، والتعليم الفني عندنا لا يقدم أي مهارات حقيقية فهو طابور للبطالة لأنه بالفعل ليس عندنا تعليم فني حقيقي، لان التعليم الفني يحتاج الي امكانيات مالية لان تكلفته مرتفعة، في كوريا مثلا يلتحق بالتعليم الثانوي 70 % والتعليم الفني 30 % لأن التعليم الفني عندهم مكلف ويخرج عمالاً وفنيين مهرة لتوافر الامكانيات والوسائل التكنولوجية والتدريب أما التعليم الفني عندنا فحدث ولا حرج؟؟...واذا كنا نريد تعليما فنيا حقيقيا فلابد أن تكون المدارس مجهزة بكل الوسائل التكنولوجية وتكون بجوار المصانع لكي يتدرب الطلاب بها وتعطيهم حافزاً ويلزمها بتشغيلهم.

تمويل التعليم

- هل مشكلة التعليم في مصر مشكلة تمويل؟

فهناك قصور في الأبنية التعليمية وعدم كفاية الفصول مما يؤدي الي ارتفاع كثافة الفصول، وأن قصور التمويل الحكومي للوفاء باحتياجات عملية الإصلاح التعليمي هو من ضمن برنامج الأوليات الحكومية للنظام السياسي الذي يريد ان يتخفف من عبء الخدمات خاصة التعليم، وأن ميزانية التربية والتعليم معظمها للأجور وما يخصص منها للبنية الأساسية لا يذكر، لقد وصل الانفاق علي التعليم في فتره ماضية الي 15% من موازنة الانفاق العام للدولة ثم أصبح الآن حوالي 4،5 %، أي أن الميزانية المخصصة للتعليم تقل وذلك رغم زيادة أعداد الطلاب المطردة، وقبل عام 1967 كان وزير التعليم كمال الدين حسين يؤكد انه يتم بناء ثلاث مدارس كل اسبوع وكان هناك برنامج مدرسي مناسب للتوسع الكمي في التعليم ولكن بعد عام 67 اهمل بناء المدارس واصبحت معظم المدارس تعمل بنظام الفترتين وثلاث فترات، ومع بداية عام 1987 و 1988 ابتدأ برنامج بناء 1500 مدرسة ثانوية وهي لا تكفي لاستيعاب أعداد الطلاب ، ومع بداية القرن الواحد والعشرين بدأ ينخفض العدد تدريجيا والله اعلم بعد كده هيعملوا إيه، والمباني المدرسية عنصر مهم للعملية التعليمية، وأي دولة تتحرك بنظام تعليمها للأمام ومعها مجتمعها لابد أن تنفق علي التعليم إذ أن انخفاض الجودة هو تعبير حقيقي عن فقر المؤسسات التعليمية ماديا وتربويا وخاصة تجهيزاتها، ولابد من تطبيق نظام الضرائب التصاعدية علي الدخل كي يساهم الأغنياء في نفقات التعليم كما يحدث في كل دول العالم ، حتي أغني الدول الرأسمالية وليس كما عندنا تفرض ضريبة 20% من أفقر الفقراء الي كبار رجال الأعمال - ولكن الدولة عندنا تريد زيادة المصروفات الجامعية وتقليل عدد الطلبة حتي تتخلص من عبء الانفاق علي التعليم، وأود أن اؤكد أنه في معظم دول العالم التعليم بالمجان وان الدول التي تفرض رسوماً علي التعليم الجامعي تكون أعلي المصروفات لا تزيد علي 20 % من دخل الفرد ، أي أن تكلفة التعليم لا تزيد علي خمس دخل الفرد، ونحن ممكن نتفاوض في التعليم العالي ونفرض رسوماً ولكن حين يصبح دخل الفرد خمسة امثال دخله الحالي، أما مع الدخل المتدني للمواطن الآن فكيف بالله عليكم يمكن أن يدفع مصروفاته، مع نظام أجور متدن الي حد يستحيل معه الفرد تحمل أعباء المعيشة فكيف يدفع مصروفات التعليم، لأن الدولة تحاول التغلب علي مشكلة الانفاق علي التعليم بزيادة رسومه وخصخصته وفتح المجال علي مصراعيه للاستثمار الخاص في مجال التعليم، وسوف يؤدي ذلك الي غياب مبدأ تكافؤ الفرص التعليمية بين الطلاب لانه لن يقدر علي مصروفات الجامعات الخاصة التي تصل في بعض الاحيان الي 100 الف جنيه إلا الأغنياء. ولكن اذا كانت الدولة جادة في اصلاح التعليم فلابد أن ننفق علي الأقل 6 % من اجمالي الناتج القومي علي التعليم، كل دول العالم ترفع من مستوي تعليمها بوضع ميزانية كبيرة له عام بعد عام أما نحن فربطنا عند 4،5 % ولو كان فيه مجلس شعب منتخب بشكل ديمقراطي يكون اللوم عليه لانه هو الذي سيحدد الميزانية ويطالب بزيادتها ولكنه مجلس شعب شكلي ليس له اي سلطات تشريعية تنفيذية فاعلة لكي يراقب ويطالب الحكومة.

إختراع لا مثيل له

- ما رأيك في نظام الثانوية العامة الجديد ؟

< أولا: لا يوجد في أي دولة من دول العالم نظام ثانوية عامة مثل ما هو مقترح حاليا، واتحدي أياً كان يقول انه في بلاد الهند أو السند او بلاد تركب الأفيال إن فيه نظام امتحانات بهذا النوع يمكن ساعتها اقتنع، القائمون علي التعليم عندنا يخترعون بدعاً ويدعون أن الثانوية العامة الحالية هي التي تولد الرغبات في الدروس الخصوصية، أما ما وصل إليه نظام الثانوية العامة الجديد من اختراع امتحان تحريري علي المستوي القومي وامتحان علي مستوي المدرسة وامتحان قدرات و50 % للتقويم التراكمي والامتحانات الشهرية فهو اختراع رهيب وهو الذي سيضاعف الدروس الخصوصية.

ثانيا: كيف يمكن وضع المدرسة لاختبارات المواد المتخصصة للطلاب، وهل مدرسو الثانوي في بلادنا مؤهلون لذلك، وممكن أن تكون الامتحانات من بنك الأسئلة الموجود علي الكمبيوتر وهذه ليست المشكلة، المشكلة أنه سيكون هناك غش جماعي وفساد وتخوف من تسريب الاسئلة من المدرسين الي الطلبة الذين يأخذون عندهم دروساً خصوصية أو لأصحاب النفوذ والسطوة.

ثالثا: امتحان القدرات هو أساسا لتعجيز الطلاب عن دخول الجامعات وهذا هو الهدف الرئيسي لهذا المشروع، وأنا أقترح عليهم أن يضاف إلي امتحانات الثانوية العامة علي مستوي الجمهورية مادة واحدة اسمها القدرات ، هذه القدرات ليست قدرات نوعية، بل قدرات للذكاء وللتفكير عامة، يتطلب أن يتزود بها كل طالب يدخل الجامعة، وعلي وزارة التربية والتعليم أن تعمل علي تطوير المناهج والانشطة والمكتبات والمعامل وأن نطور استخدام الكمبيوتر في المدارس بشكل حقيقي وليس للديكور، ولكن أن يخترعوا كل يوم نظاماً جديداً للثانوية العامة ليست له أي مبررات تربوية أو علمية فهذه بدعة مرفوضة ، وأنا أؤكد أن هذه الانظمة المخترعة عندنا لا مثيل لها في كل دول العالم..

رابعا: ولماذا يكون هناك اختبار علي المستوي القومي وامتحان آخر علي مستوي المدارس ؟ ولماذا لا يكون الامتحان مرة واحدة علي المستوي القومي بدلا من مضاعفة التكاليف التي تصرف علي الامتحانات.

خامسا: ما معني ان تكون الثانوية العامة شهادة مؤهلة لسوق العمل، هل تم الإعداد لذلك بمناهج تساعد علي تملك المهارات والقدرات المؤهلة للعمل، أم سينضم خريجو الثانوية العامة لطابور البطالة، كل (الهيصة دي ) باختراع امتحان علي مستوي الجمهورية وامتحان علي مستوي المدرسة وامتحان قدرات ما هي الا حيل فنية اكاديمية للحد من عدد الطلبة الذين يلتحقون بالجامعات، وليس لتطوير نظام التعليم ولا للحد من الدروس الخصوصية.

سادسا: كيف سيتم تقييم الطلاب ووضع درجات التقويم لهم في ظل مدراس تعمل فترتين وكثافة مرتفعة للفصول تصل في بعض المدارس الي 80 طالبا، احنا مش عاوزين نعمل زي اوروبا ويكون الفصل فيه 20 طالباً علي الأكثر في الابتدائي وفي الثانوي 30 طالباً والجامعة اكبر مدرج به 200 طالب، لكن تصوري عندنا كلية التجارة جامعة القاهرة عدد طلابها يوازي عدد طلاب جامعة بأكملها بكل كلياتها في امريكا،، فكيف يتم تحقيق نظام تقويم تراكمي مع مثل هذه الأعداد؟، نحن نحشر الطلبة في الفصول والمدرجات حتي ينفجروا ولذلك يهرب الطلاب من المدارس ومدرجات الجامعات ، وهذا يؤدي الي تدهور المستوي التعليمي، ولن يكون هناك تقويم تراكمي بدون دعم المدارس من ناحية الامكانيات وإعداد المعلم وتطوير المناهج والقضاء علي سيادة طرق الحفظ والتلقين، وقبل كل ذلك تقليل كثافة الفصول والعمل علي اتساع الانشطة المدرسية من حصص للموسيقي والالعاب والمكتبات والتربية الفنية.

لا جودة ولااعتماد

- كيف يتم تطبيق قانون الجودة والاعتماد علي مدارس متباينة في الامكانيات؟ ولماذا لم يتم تقديم دعم للمدارس لتحسين كفاءتها، ام انها جودة شكلية. ولماذا لا تتبع هيئة الجودة والاعتماد رئيس الجمهورية كما طالب البعض؟

< هيئة الجودة والاعتماد تتبع رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء لا اختلاف، أنا حضرت احتفالا في وزارة التربية والتعليم بمناسبة نجاح 164 مدرسة من قبل هيئة الجودة والاعتماد، وأنا لا أحب أن اظلم، لكن مدة ثلاث سنوات كاملة لا يتم فيها إلا اعتماد 164 مدرسة من 40 ألف مدرسة في مصر المحروسة، واعتقد أن هذه المرحلة لضمان الجودة وليس لتحقيق لجودة لانه لا جودة بدون تحقيق تغييرات جوهرية في بنية المناهج واصلاح حقيقي لاوضاع المدارس الحكومية وتزويدها بالامكانيات، وقانون الجودة والاعتماد مجرد نقل لمشروع أمريكاني، ولكن الجودة عند الامريكان شيء مختلف فتوجد عندهم هيئات للجودة بشكل عام وهيئات متخصصة لجودة المناهج وهيئات اخري لكل علم من العلوم وكل هذه الحلقات مع بعضها تصنع الجودة، اما عندنا فهذا نظام سابق لاوانه، وأنا اطلق شعار "علموهم قبل ان تقيموهم" بدلا من المقارنة بدول اخري، هم يضعون الحصان قبل العربة، وهذا النظام في صورته الحالية مجرد جودة شكلية، ومع التباين الصارخ بين امكانيات المدارس الحكومية والخاصة ستكون الجودة بالفعل لصالح التعليم الخاص والاغنياء.

وأخيرا أن ويدعمه لان التعليم نظام سياسي فهل نعلم الشباب لكي يتمردوا ويطلعوا يكسروا ويظهروا العيوب الاجتماعية والسياسية أم لكي يدعموا النظام؟! النظام التعليمي نظام ماكر وخبيث علي الرغم من انه يسخر لخدمة النظام فإنه توجد به فجوات تخرج جماعات متميزين ومتمردين، وكلما تزايد عدد المتميزين والمتمردين أصبحت فيه قوة وأمل للتغيير، ويصبح التعليم أقوي مصادر الأمل فتصبح للخريجين نظرة ناقدة ووعي ورغبة في التغيير والمجتمع الآن يمر بحالة من الاحتجاجات علي الأوضاع المتردية لايزال التربويون والمثقفون عامة أضعف من أن يشكلوا قوة ضاغطة علي النظام.

http://www.al-ahaly.com/P.10.htm

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article