Essai de Makhlouf Ameur : septième partie

Publié le par Mahi Ahmed

 

Essai de Makhlouf Ameur : septième partie

 

السيناريو الأول :النبذ والإقصاء

1- أن الصفوة الحاكمة تسعى إلى احتكار الدين ولا تسمح باستعماله في اللعبة السياسية .

2- إن استخدام الدين يشكل خطرا على مصالح الصفوة الحاكمة .

3- إن توظيف الدين يطرح شرعية الحكم ومصداقية مرجعيته .

4- إن تجربة النظام المصري مع هذه الجماعات يؤكد الميل إلى ملاحقتها واستبعادها.

5- تمَّ توظيف الإسلام من قبل النظام لاستبعاد قوى سياسية أخرى تُعد راديكالية كالشيوعيين .

6- اعتمد النظام على توظيف مؤسسات دينية رسمية في التعليم وفي إنتاج الخطاب الديني.

7- بعد محاولات الدمج السياسي الفاشلة ، وبعد قيام الجماعات بأعمال إرهابية في مناطق مختلفة من العالم وخاصة أحداث 11 سبتمبر ، برزت ضرورة عولمة المواجهة الأمنية فازدادت المتابعات الاستخباراتية المنسقة ووضعت قوائم باسماء أشخاص وجماعات وحتى دول ترعى الإرهاب ، بالإضافة إلى الحرص على تجفيف منابع الدعم المالي للإرهاب .

السيناريو الثاني : الإدماج الجزئي

ويتأسس على الافتراضات التالية :

1-  الوضع الاقتصادي والسياسي والفروق الاجتماعية والاضطرابات الأمنية في  مصر

2- ميل الصفوة الحاكمة إلى التعامل مع أطراف من المعارضة من وراء الستار وخارج الأطر الشرعية القانونية ، وهي تجتذبهم أحيانا ، وتردعهم أحيانا أخرى.

3- الضغوط الداخلية والخارجية وضغوط منظمات حقوق الإنسان على النظام المصري من أجل القيام بإصلاحات.

5- مواجهة الجماعات الإسلامية الخطرة يستدعي العمل على احتواء بعض الأطراف المعتدلة  سواء عن طريق السماح لها بالدخول في الانتخابات أو بتأسيس جمعيات أهلية وثقافية .

6- الإدماج الجزئي يعين السلطة الحاكمة على زرع الانشقاقات داخل هذا التنظيمات ويسمح لها باختراقها .

7- الإدماج الجزئي يضفي على الخطاب الرسمي صبغة من الشرعية الجديدة المطعَّمة بالإسلام ، بعدما استنفد الشرعية التاريخية التي طالما استمر يتغذى منها ولم تعد السلطة قادرة اليوم على انتشاله من مستنقع الخطاب المستهلَك  إلى حد الرداءة والضحالة وفقدان   الثقة .

8- إن العمليات الإرهابية المرعبة دفعت بالمجموعة الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية إلى ضرورة استعمال الحوار مع بعض الأطراف مثلما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين وذلك بقصد الوقاية ثم الاحتواء عن طريق الإدماج الجزئي .

السيناريو الثالث : الإدماج الكلي للجماعات الإسلامية السياسية في إطار النظام .

وهو يقوم على مجموعة من المقوِّمات والافتراضات :

1.   إن الجماعات الإسلامية السياسية الراديكالية ، إنما جاءت بسبب وجود أنظمة دكتاتورية طاغية ، مما يستدعي ضرورة تغيير هذه الأنظمة المتسلطة وفتح المجال لإصلاح المؤسسات التعليمية والخطاب الديني وللممارسة السياسية الديمقراطية .

2.   إن الإصلاح السياسي سيسمح للجماعات الإسلامية بأن تمارس نشاطاتها في الأطر القانونية الوااضحة وقد تصل إلى اختراق النظام ومؤسساته .

3.   قد تساعد عملية الإصلاح الجماعات الإسلامية على توظيف الرأسمال الديني المتراكم وتعبئة الجماهير بصفة سلمية لتشعل شرارة الحقد والكراهية ضد السياسة الأمريكية - الإسرائيلية .

على أن الباحث يعتبر هذا السيناريو أقل السيناريوهات رجحانا ، بالنظر إلى ما آل إليه الوضع الدولي بعد 11 سبتمبر .في حين يرى أن البديل الثاني والمتمثل في الإدماج الجزئي هو الخيار الأقرب للاعتبارات التاية :

·       إنه يتناسب مع طبيعة التفكير السياسي للصفوة الحاكمة ، كما يندرج كمكوِّن في تجاربها السابقة (( فضلا عن أن هذا الخيار يساهم في إجراء موازنات وتوازنات بين ميراث ديني شعبوي محافظ ، وبين بناء الصورة السياسية للدولة وصفوتها الحاكمة لدى الإدارات السياسية الغربية ))(19)

·       إنه خيار يُمْكن التراجع عنه في حال تغيُّر الأوضاع ، وهو موقف سبق أن جرَّبته الصفوة الحاكمة .

·       (( يتيح هذا االبديل ، إضفاء شرعية ما ، وحجج سياسية يستند إليها خطاب واستراتيجية المواجهة الصارمة مع الجماعات الإسلامية السياسية على اختلافها ))(20)

·       (( إن انتقاء بعض العناصر الاعتدالية ، يمكن أن يكون أقرب إلى الثقافة السياسية الإسلامية السائدة لدى النخبة السياسية الحاكمة من ناحية ، وأيضا قادة جهاز الدولـة ، ولا سيما المنوط بهم مواجهة هذه الجماعات ))(21)  

 

 

تعقيب :

- في فترة الحرب الباردة والصراع بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي ، ظلت الأنظمة العربية ذات التوجه الاشتراكي تمارس سياسة الوسطية تحت شعار "لا شرقية ولا غربية" أو هي اشتراكية موصوفة بأنها عربية أو عربية إسلامية أو جزائرية أو خاصة متميزة .

 واستمر النظام بهذا الموقف الوسطي يعيش بخطاب الشرعية التاريخية ويحافظ على شعرة معاوية بين طرفيxن يبدُوان له متطرفيْن ويرى من واجبه الوطني والمصيري أن يحتكر الاعتدال والتوازن فوضع خطا أحمر لا ينبغي تجاوزه.

- من هنا جاء خطاب السلطة خليطا هجينا يجمع بين الإسلام والاشتراكية ، وبحكم أن الدين معطى تاريخي موروث ، وواقع لا يمكن تجاهلُه ، فقد أثر الخطاب السائد حتى في التيار اليساري الذي طالما اجتهد في إثبات التوافق بين الاشتراكية والإسلام ، فكان بذلك يعيش تناقضا من حيث يدري أو لا يدري ، لأنه يعطي نتائج عكسية في الامتداد العملي . إذ مادام اليساريون يعترفون بأن لا تناقض بين الإسلام والاشتـراكية ، فالإسلام يكفينا . خاصة وأنه وحيٌ رباني وسابق على الاشتراكية التي لا تعدو في - نهاية المطاف- أن تكون اجتهادا بشريا ، فضلا عن أنه اجتهاد مؤسس على إنكار الدين والدعوة إلى الكفر والإلحاد .

-   إن تنظيمات الإسلام السياسي متمايزة فيما بينها ، وهي تتفاوت من حيث التشدد والليونة . ففي التقسيم العام هناك جناح يتبنى فكرة التعجيل بالانقضاض على السلطة مادامت الظروف مواتية ، وقبل أن يشتدَّ ساعد السلطة المتضعضعة وتتحكم في زمام الأمور، وقبل أن يدبَّ اليأس في نفوس الناس ويتخلوا عن فكرة الجهاد .

بينما يرى الجناح المعاكس أن الوصول إلى السلطة يقتضي شيئا من التريُّث وبالتدريج نظرا لقلة الإمكانات في أيدي الإسلاميين ، ولأن وضع المجتمع بلغ درجة من التردي يصعب إصلاحها حتى على الإسلاميين ولو كانوا في مراكز السلطة ، مما سينعكس سلبا على الإسلام والمسلمين ويُتهمون بالديماغوجية والعجز ، وغير ذلك من المبررات التي يوردها كل فريق بشأن الوصول إلى السلطة سواء القائل بالتعجيل أو القائل بالتأجيل .

-  إلا أن هذا الخلاف - ولو هو وصل إلى درجة الصراع والتناحر أحيانا- لا ينبغي أن يوهِمَنا بوجود خلاف جوهري . لأن هذه التنظيمات جميعها - ومهما تمايزت - تبقى بمثابة خيوط عزف مركبة على آلة واحدة  هي الأصولية ، وإنها وإن خمدت نارها فترة من الزمن إلا أن أجنحتها الإرهابية ستبقى جمرة  متوقِّدة تحت الرماد حتى إذا ما هبَّت رياح الحرية فإن لهيبها ستشتعل ، وقد يكتسح مساحات لا نتوقع حجمها ولا يتوقعه خاصة هذا النظام الهجين الذي يغازلها.

- لا شك أن الباحث "نبيل عبد الفتاح" محق فيما ذهب إليه من افتراضات باستبعاده النبذ والإقصاء والإدماج الكلي أيضا ، لكن الإدماج الجزئي يعود - بالإضافة إلى الأسباب التي أوْردها- إلى طبيعة النظام الذي يخاف الأصولية ويخاف عليها في الوقت نفسه . يخافها لأنها تنازعه السلطة وفي حالة وصولها تُقْصيه بلا رحمة ، ويخاف عليها لأنها سنده القويُّ في الحد من التغيير الديمقراطي الجذري ، خاصة وأنه لا يملك تصورا محدد المعالم لمشروع المجتمع الموعود .

- إن النظام القائم استمر منذ وجوده يتغذَّى من خطاب الشرعية التاريخية الذي لم يعد مقنعا ، كما استمر يكرِّس الشعبوية ، ولقي استجابة في أوساط الجماهير المثقلة بإرث ديني مشوَّش ، تطال الأمية غالبيتها  ، وهذا - بدوره - فتح الباب واسعا أمام التنظيمات الأصولية فوظفت الخطاب الشعبوي نفسه ولكن بحدَّة دينية ولغوية وبلاغية غير معهودة ، فارتسمت صورتها في أذهان العامة على أنها المنقذ والمخلِّص من نظام بقي في الحكم طويلا ولم ينتج إلا الرداءة والفساد .

أضِفْ إلى ذلك ما اكتسبته التنظيمات الأصولية من خبرة في التنظيم والتفكير الجماعي واستغلال أحدث الوسائل التكنولوجية في مقابل ضعف القوى الديمقراطية ماديا وتبعثرها تنظيميا .

- لعله مما عجَّل بانهيار الاتحاد السوفياتي السابق أن الناس كانوا مقتنعين منذ البدء بأن الإيديولوجيا من إنتاج بشري ، فكانت لهم الجرأة الكافية على مراجعتها . ولو كان بعضهم حوَّلوها إلى ديانة جديدة أو ما يشبه الديانة .

 ولقد كان الماركسيون أنفسهم أسبق من غيرهم إلى هذه المراجعة من خلال النقد والنقد الذاتي ، فوقفوا على ثغراتها النظرية وكشفوا عيوبها التطبيقية . وكان ذلك مؤشرا تاريخيا آخر على أن حرية الإنسان تأبى القيد الشمولي.

ولكن الشمولية الدينية أخطر بكثير ، لأن أنصارها يرفعون راية امتلاك الحقيقة باسم السماء ويسعون - في مجتمع يتكون في غالبيته من أميين وأنصاف متعلمين - إلى تحقيق هيمنة كونية تمارس النفي والإقصاء ضد من يعترضها ، ولأن الإنسان بطبعه يحتاج - دوما- إلى زاد روحي يُكْسبه الطمأنينة والاستقرار النفسي،  فإنه يستعصي عليه أن يتعامل مع الموروث المقدس بالنقد كما تعامل مع الإيديولوجيا .

- يبدو أن الفكر الشمولي باسم الدين أو بغيره لم يعد لغة مستساغة في هذا العصر. وإذا كان أنصاره قد جعلوا من انهيار المعسكر الاشتراكي فرصة للتلذذ وزرع المزيد من الحماس  والتفاؤل بانتصار كوني قريب ، إلا أن المستقبل يتجه - ولو ببطء - نحوالفصل بين الدين والسياسية وهو الحل الجذري الذي ينطبق على الأصولية كما ينطبق على الأنظمة الحاكمة  أيضا.  

 

 

 

مثال الجزائر :

 

       لا يمكن لمن يتصفح ويتفحص تاريخ الجزائر المعاصر، أن يعثر على أثر للإخوان المسلمين بوصفهم تنظيما سياسيا ، لا خلال حرب التحرير ولا قبلها. لأنه لم يكن للإخوان وجود أصلا.

  فإذا ما تجاوزنا المقاومة الشعبية التي امتدت على طول القرن التاسع عشر وانتقلنا إلى الحركة الوطنية التي انزرعت بذورها منذ قبيْل الحرب العالمية الأولى، فإننا سنجد تيارات مختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولكن الإخوان لا وجود لهم.

   ولكن هذه الحركة أخذت تتسرب إلى الجزائر منذ فجر الاستقلال (1962) عن طريق ما عُرف يومئذ "بجمعية القيم" النواة الأولى التي أسسها أعضاء  من بقابا جمعية العلماء المسلمين الأكثر تزمتا وتعصبا، وغذتها شيئا فشيئا حملات المتعاونين العرب الذين تمركزوا بقوة في قطاع التعليم.

  وبعد إخراج المحتل الفرنسي كان من الطبيعي أن تطفو على السطح المطالب الاجتماعية بشكل حاد، وكان من الطبيعي أيضا أن ترافقها الأطماع االوصولية والنوايا والانتهازية.

  وكان استيلاء العمال على المزارع التي خلفها الكولون بمثابة ناقوس الخطر بالنسبة لأعداء الاختيار الاشتراكي في ذلك الوقت ، لأنه حدث يشير إلى حضور حزب غير مرغوب فيه وهو الحزب الشيوعي الذي كان يطرح القضية الاجتماعية نيابة عن الكادحين .

  كان من الطبيعي أن يتسرب إلينا الفكر الإخواني معبرا عن مصالح الفئات والطبقات التي كانت تتعارض فكرا ومصلحة مع لاشتراكية، فترفعه سلاحا لمحاربة الشيوعية وتجعله دعامة ضرورية من دعائم الطريق الثالث. هذا الطريق الذي تعزز بفكر لا يقَسِّم   العالم إلى شرق شيوعي وغرب رأسمالي ، بل يقسمه إلى خطيْن : واشنطن/ موسكو و

 

  ومنذ مطلع السبعينيات اجتهدوا كثيرا في البحث عن إيجاد الحجج الكافية من القرآن والحديث لمعارضة التحولات الجديدة  وفي مقدمتها "الثورة الزراعية". والأحداث التي توالت- فيما بعد - بينت بوضوح أنهم لا يملكون من وسائل الإقناع ما يكفي ولذلك يعادون الحوار  وحرية الرأي ويلجأون إلى كل أشكال العنف.

   فمن 1970 إلى 1971: وقعت أحداث الجزائر العاصمة الدموية، وازداد نشاط جمعية القيم التي تمثل ركيزة إيديولوجية لهم، وحتى سنة 1976، ظهر خليط من الفرق فيه الزوايا وأنصار الله والعلويون وفرق أخرى بمشاركة مصريين وسعوديين.

  وبمناسبة الانتخابات الرئاسية وقعت أحداث خطيرة وعلى إثرها ألقي القبض على جماعة "قران بومعيزة"

  ومن 1978 إلى 1980: تَقوَّى الجهاز السري وتكثف اللجوء إلى المساجد والأماكن السرية التي كانت ممنوعة قبل وفاة الرئيس "هواري بومدين".

  ولقد اتضح منذ بداية الثمانينيات أن هناك اتجاها في السلطة يسعى إلى رفع الحصار عليهم وتقريبهم من أجل أن يكونوا وسيلة تُسَهِّل عملية إعادة النظر في التوجهات السابقة وتعميق التوجه نحو اليمين.

  وهكذا وجد الإخوان الفرصة سانحة للانتعاش من جديد ولم يترددوا عام 1979 في الانقضاض على الطلبة المتطوعين في "وهران" حيث داهموا مكتب اللجنة الجامعية للتطوع وضربوا وجرحوا كثيرا من الطلبة والطالبات.

   وفي سنة 1981: وقعت أحداث مدينة "الأغواط" التي راح ضحيتها شرطي وأُحْرق آخر من يديه ورجليه، وكان قائد الجماعة فيها هو الأستاذ "بالسايح سعيد" أستاذ في مادتي الفيزاء والكيمياء. ووجدوا في حوزتهم أسلحة يخبئونها في مكان يُدْعى "النهضة".

  وفي 1983: وقعت أحداث حي "ابن عكنون" الخطيرة في العاصمة ونظمت مظاهرات في ساحة "موريس أودان" وتم بسببها إلقاء القبض على بعض قادة الحركة ومنهم (سحنون وعباس مدني وعبد اللطيف سلطاني).

  وفي 1984: ظهرت قضية "مراح وبويعلي" واستعملت الأسلحة في المواجهة مع الشرطة ورجال الدرك، وتبين أن هناك تواطؤا بين الإخوان وعناصر من جهاز الأمن، مما جعل السلطة تستشعر الخطر وتعمد إلى إيقاف الهجوم الإخواني إلى حد ما.

   إنهم يدعون إلى خلافة إسلامية كفكرة طوباوية غير محددة المعالم. ويتصورنوها امبراطورية تترامى أطرافها لتشمل الكرة الأرضية كلها، وينظرون إلى الصراع في فلسطين على أنه صراع يهودي إسلامي، وينطلقون في معاداة اليهود منطلقا عنصريا فيكون الشعار المقلوب لشعار "شعب الله المختار" ، حين يستخدمون الآية القرآنية ((كنتم خير أمة أخرجت للناس ...))(22) بالطريقة نفسها.

   إن الإسلام في نظر الإسلامويين  هو برنامج حزبهم إن كان لهم برنامج محدد حقا، ومن خالفهم إنما خالف الإسلام فخرج عن الملة وصح أن يوصف بالكفر والإلحاد .

 ثم إن فهمهم للقضية الفلسطينية متخلف إلى حد كبير عن فهم "عبد الحميد بن باديس" الذي  يقول بشأنها:

  (( جاء الزوجان المشؤومان الصهيونية والاستعمارية فكان البلاء على فلسطين كلها عربها ويهودها. فليست الخصومة بين كل عرب فلسطين ويهودها، ولا بين كل مسلم ويهودي على وجه الأرض، بل الخصومة بين الصهيونية والاستعمار الانجليزي من جهة والإسلام والعرب من جهة، والضحية فلسطين والشهداء حماة القدس الشريف...))(23)

  ومن المعروف أنهم يميلون كثيرا إلى العموميات والمفاهيم المجردة، مما يسمح بانضواء فئات كثيرة تحت هذا الإطار العام، وهو ما يفسر أيضا الخلافات التي تظهر في صفوفهم من حين لآخر.

  والشعارات التي يرفعونها كثيرة كالإخاء والتعاون والتكافل والتضامن والمساواة والشورى، ولكنهم يعجزون في الغالب عن تحديد كيفية تطبيقها على أرضية الواقع ، لولا الأموال الطائلة التي يصرفونها تحت غطاء الجمعيات الخيرية ولا يُعرف مصدرها .

وهم لا يرفضون الأشكال التنظيمية المستحدثة إلا ظاهريا ، لأنهم يستفيدون منها إلى أقصى حد. فإذا اصطنعوا لتطبيق الشورى مجلسا ومكتبا للإرشاد فذلك ما لم يوجد في صدر الإسلام ، بل هو ما يعادل اللجنة المركزية والمكتب السياسي في التنظيمات السياسية الحديثة.

ولديهم  في معظم ولايات الوطن مقرات علنية، ويستغلون إلى جانب ذلك المساجد التي تساعد فعلا على الدعوة علناً. ويجدون في شهر رمضان فرصة لتكثيف نشاطاتهم، وينظمون معارض للكتاب الإسلامي، تصبح بدورها فُرَصا للتجمعات الكبرى، كما يُحَوِّلون الجنازة إلى تجمع ويتحوَّل العرس يتحول- بدوره - إلى ما يشبه الجنازة.

يستوردون المجلة والكتاب وأشرطة "الكاسيت والفيديو"، فهم من الضعف والتبعية بحيث لا يستطيعون أن ينتجوا شيئا ذا قيمة داخل الجزائر. ومع ذلك تجدهم يشحنون خطبهم كلها بالحديث عن الغزو والأفكار المستوردة.

  والنسبة الكبيرة من أتباعهم تتشكل من الأميين الذين طردوا من المدارس ومن الذين يعانون من مشاكل اجتماعية ونفسية ويلجأون إلى الدين بدافع التعويض والتنفيس. ثم هنالك التجار الكبار وأصحاب رؤوس الأموال الذين يدركون خطر العلمانية على مصالحهم ويقومون بهذا النشاط السياسي عن قصد.

فأما القادة والأمراء فيكونون عادة من خريجي الجامعات والذين تلقوا تكوينا مستعجلا إما داخل البلاد أو خارجها.

  ويشكل قطاع التعليم أرضية خصبة لنشر أفكارهم، من التعليم الأساسي بأطواره الثلاثة إلى التعليم الثانوي إلى الجامعي، وكثيرا ما تتحول مواد العلوم الإنسانية وخاصة الأدب والفلسفة إلى دروس دينية في الوعظ والإرشاد، وحتى العلوم الطبيعية تُطَعَّم بالدعاية الإيديولوجية .كما تشهد الأحداث في مناسبات كثيرة استعمالهم سلطة الأستاذية لفرض الحجاب على الفتيات وتكريس التمييز بين الأتباع الطائعين وغير الأتباع.

  ومن غير شك أن سيطرة سياسة التراجع  في الثمانينيات بتدعيم القطاع الخاص على حساب قطاع الدولة في القطاع الزراعي والصناعي والثقافي ، وبالعمل على إبعاد التقدميين والوطنيين من جهاز الحزب الحاكم ومن المنظمات الجماهيرية،كان له دور قوي في دعم نشاطهم وتشجيعهم على خرق كل ما كان محرما عليهم من قبل .

  ويضاف إلى ما سبق أن الجو في الجامعات الجزائرية أصبح مواتيا أكثر فأكثر لنشاطاتهم ، ويبدو أن معظم الإطارات تُسْتقطب وتُكوَّن في المرحلة الجامعية، لأن الطلبة ظلوا فريسة للتشتت والتبعثر في غياب منظمة طلابية قوية .

  وبعد أن كانت المعاهد الإسلامية قد أدمجت في نظام التعليم العام قصد خلق الوحدة والانسجام في النظام التربوي، عاد الاتجاه الإسلاموي من جديد إلى الظهور في شكل مؤسسات مستقلة مثل جامعة "الأمير عبد القادر" بقسنطينة. حيث أصبحت مرتعا خصبا لم يقتصر على الجزائريين ، بل أصبح يَؤُمُّه الدعاة باسم التعاون من كل جهة، وأصبح "محمد الغزالي" بحكم علاقته المتينة بالسلطة يصول ويجول في قسنطينة، ويتدخل شخصيا لإلغاء عقود غير المرغوب فيهم من المتعاونين (كما حدث مع الشاعر الفلسطيني الكبير "عز الدين المناصرة" ). ويدخل -عبر شاشة التلفزيون- إلى بيت كل جزائري فيحلل ويحرم ويوجه ويسب وينتقد الماركسية والاشتراكية، ويملي على الجزائريين السياسة الفكرية التي تروقه ويرتضيها.

   وتَقَوَّى الاتجاه الإسلاموي أيضا بزرع شُعَب العلوم الإسلامية في التعليم الثانوي والجامعي، فاتسع المجال لتكثيف النشاط السياسي باسم الدين.

  ولم تبقَ صلة الإخوان المسلمين وغيرها من الحركات  مقتصرة على مصر كما نشأت في البداية، بل تعدتها إلى السعودية والكويت والأردن وباكستان وبلدان أوربية كإنجلترا وغيرها من الأوكار التي يُعَشِّشون فيها وتمدهم بالمجلة والكتاب والشريط والأساتذة المكونين إلى درجة أنهم لا ينتجون شيئا من ذلك في الجزائر.

أصبح ملتقى الفكر الإسلامي تقليدا جزائريا ينظم كل سنة، وقد بلغ في شهر سبتمبر 1988 طبعته الثانية والعشرون.

ويمكن من خلال الموضوع المثير الذي بحثه الملتقى العشرون "الإسلام والعلوم الإنسانية" وبعد دراسة ما يقرب من عشرين محاضرة قدمت في هذا الملتقى أن نتلمس طبيعة التفكير الذي كان يسود هذه الملتقيات، وكذا مستوى الإضافة التي يقدمها "العلماء" المسلمون للمعرفة الإنسانية، ونتبين كيف أن الجزائر أصبحت مرتعا خصبا للفكر الظلامي قبل التسعينيات من القرن الماضي .

فأما تكاليف الملتقى الواحد ثم مجموع الملتقيات، فإن وزارة الشؤون الدينية أدرى بها.

   نقاط الإلتقاء بين البحوث المقدمة:

 

·       النظريات الأجنبية تعد غزوا فكريا وثقافيا، فهي مرفوضة أصلا باستثناء جهود أولئك الذين أعلنوا عن ولائهم للمسلمين أو الذين يجدون في تفكيرهم سندا صريحا أو مضمرا لما يدعو إليه المسلمون.

·       الأخلاق تعتمد مقياسا أساسيا للحكم على الفرد والأمة، وما الأخلاق السليمة سوى الأخلاق الإسلامية التي يجب أن تكون نموذجا يُحتذى. ومن ثم ، فإن ابتعاد الغرب أو الآخر بصفة عامة عن هذا المفهوم الأخلاقي هو الذي تركه فريسة للتدهور والتفسخ والانحلال الخلقي.

·       الفلسفة الغربيةكلها مبنية على الفصل بين المادة والروح ولا حل لهذه المشكلة العويصة إلا بتبني الإسلام الذي يحفظ للنفس الإنسانية توازنها الطبيعي.

·       الانحراف الأخلاقي والديني والفكري مصدره اليهود "هم العدو فاحْذرْهم"

·       إذا كان هناك كمال فهو من الله، وإذا ظهرت نقيصة فهي من الإنسان. وما الشقاء الذي يعاني من ويلاته البشر إلا نتيجة ركونهم إلى القوانين والعلوم الوضعية.

·       إن الغرب بوضعه الحالي اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وعقائديا جاحد لنعمة الله التي ساهم المسلمون في إنتاجها وحفظها ، وإليهم يرجع الفضل الكبير في بلوغهم المستوى الحضاري الذي نشهده اليوم.

·       لقد كان للمسلمين السبق في جميع الميادين:

ففي الاقتصاد والاجتماع (ابن خلدون) وفي الفلسفة (الغزالي وابن رشد) وفي علم النفس (الغزالي وابن سينا) وفي اللغة (ابن جني وسيبويه)...إلخ

·       العلوم الإنسانية في وضعها الحالي متدهورة، لا تخدم الإنسانية.

·       لافرق بين الغرب الرأسمالي والشرق الاشتراكي في هذا الوضع.

ESSAI DE MAKHLOUF AMEUR : Septième partie

 

السيناريو الأول :النبذ والإقصاء

1- أن الصفوة الحاكمة تسعى إلى احتكار الدين ولا تسمح باستعماله في اللعبة السياسية .

2- إن استخدام الدين يشكل خطرا على مصالح الصفوة الحاكمة .

3- إن توظيف الدين يطرح شرعية الحكم ومصداقية مرجعيته .

4- إن تجربة النظام المصري مع هذه الجماعات يؤكد الميل إلى ملاحقتها واستبعادها.

5- تمَّ توظيف الإسلام من قبل النظام لاستبعاد قوى سياسية أخرى تُعد راديكالية كالشيوعيين .

6- اعتمد النظام على توظيف مؤسسات دينية رسمية في التعليم وفي إنتاج الخطاب الديني.

7- بعد محاولات الدمج السياسي الفاشلة ، وبعد قيام الجماعات بأعمال إرهابية في مناطق مختلفة من العالم وخاصة أحداث 11 سبتمبر ، برزت ضرورة عولمة المواجهة الأمنية فازدادت المتابعات الاستخباراتية المنسقة ووضعت قوائم باسماء أشخاص وجماعات وحتى دول ترعى الإرهاب ، بالإضافة إلى الحرص على تجفيف منابع الدعم المالي للإرهاب .

السيناريو الثاني : الإدماج الجزئي

ويتأسس على الافتراضات التالية :

1-  الوضع الاقتصادي والسياسي والفروق الاجتماعية والاضطرابات الأمنية في  مصر

2- ميل الصفوة الحاكمة إلى التعامل مع أطراف من المعارضة من وراء الستار وخارج الأطر الشرعية القانونية ، وهي تجتذبهم أحيانا ، وتردعهم أحيانا أخرى.

3- الضغوط الداخلية والخارجية وضغوط منظمات حقوق الإنسان على النظام المصري من أجل القيام بإصلاحات.

5- مواجهة الجماعات الإسلامية الخطرة يستدعي العمل على احتواء بعض الأطراف المعتدلة  سواء عن طريق السماح لها بالدخول في الانتخابات أو بتأسيس جمعيات أهلية وثقافية .

6- الإدماج الجزئي يعين السلطة الحاكمة على زرع الانشقاقات داخل هذا التنظيمات ويسمح لها باختراقها .

7- الإدماج الجزئي يضفي على الخطاب الرسمي صبغة من الشرعية الجديدة المطعَّمة بالإسلام ، بعدما استنفد الشرعية التاريخية التي طالما استمر يتغذى منها ولم تعد السلطة قادرة اليوم على انتشاله من مستنقع الخطاب المستهلَك  إلى حد الرداءة والضحالة وفقدان   الثقة .

8- إن العمليات الإرهابية المرعبة دفعت بالمجموعة الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية إلى ضرورة استعمال الحوار مع بعض الأطراف مثلما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين وذلك بقصد الوقاية ثم الاحتواء عن طريق الإدماج الجزئي .

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article