رائد فهمي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: قضايا سياسية وفكرية

Publié le par Mahi Ahmed

رائد فهمي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: قضايا سياسية وفكرية امام المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي


رائد فهمي
 - 2011 / 7 / 10
المحور: مقابلات و حوارات
    

أجرى الحوار: فواز فرحان

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 60 - سيكون مع الاستاذ رائد فهمي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي حول:  قضايا سياسية وفكرية امام المؤتمر الوطني التاسع للحزب الشيوعي العراقي.

1ــ يسير الحزب الشيوعي العراقي نحو عقد مؤتمره التاسع بخطوات واثقة ، في ظل هذه الظروف الانتقالية التي تعيشها بلادنا ما الذي يمكن أن يتوقف عندهُ الحزب طويلاً بعد التغييرات الثورية التى عمت العالم العربي ؟ و ماهي الآليات التي تضمن مشاركة جماعية شفافة للأعضاء في تقرير سياسات الحزب والانتخابات الديمقراطية للقيادة الحزبية ؟

إن الحزب ومنظماته واعضاءه واصدقاءه وجماهيره منغمرون فعلاً في التحضير للمؤتمر الوطني التاسع منذ اسابيع،وسيواصلون ذلك لحين انعقاده خلال الفترة القريبة القادمة. والحزب يعمل بثبات لأن يكون المؤتمر مجسداً لارادة الشيوعيين، كل الشيوعيين ، وعقلهم الجماعي، سواء في الوثائق البرنامجية والسياسية التي سيتم مناقشتها واقرارها، أم في الهيئات القيدادية التي يتم انتخابها. كما يحرص لأن لا تقتصر المشاركة في تحضيراته ومناقشة وثائقه وبرامجه على اصدقائه وانصاره، وانما لتتسع دائرة المشاركين لتشمل مختلف قطاعات الشعب، وخصوصاً القوى والشخصيات الوطنية والديمقراطية عموماً.
وينعقد المؤتمر والبلاد تواجه تحديات كبرى ذات طابع وطني وديمقراطي، وفي مختلف المجالات السياسية والمؤسسية والاقتصادية والاجتماعية. ويتوقف على طريقة التعامل معها وحسمها، تحديد محتوى ومآل ما يطلق عليه "العملية السياسية" الجارية في البلاد ، ومدى نجاحها في بناء عراق ديمقراطي اتحادي مستقل ، كامل السيادة.
وستكون القضايا المرتبطة بهذه التحديات محور اهتمام المؤتمر، واهمها الازمة السياسية المستحكمة لنظام حكم المحاصصة الطائفية والأثنية، وسبل الخروج منها بشكل دستوري ديمقراطي يحفظ سلامة البلاد ويجنب شعبنا المآسي التي ستترتب على انزلاق الاوضاع نحو "الحلول اللادستورية واللاديمقراطية"، سواء العنفية المتمثلة بتفجير صراعات طائفية، أم بتفتيت الدولة العراقية والوحدة الوطنية، التي تنطوي عليها بعض احتمالات تطور الأوضاع المتأزمة.
ويجدرالاشارة إلى اهم تجليات هذه الأزمة : تدهور مستمر في العلاقات بين فرقاء حكومة الشراكة" الوطنية، والاستعصاء المنامي في التوصل إلى توافقات، والتراجع مقلق في الأوضاع الأمنية وازدياد الاختراقات، والفشل المتواصل في الأداء الحكومي وفي توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، واستشراء الفساد وتحوله إلى شبكة اخطبوطية وتورط القوى المتنفذة فيه، والخلل الكبير الذي شاب، ويشوب عملية بناء الدولة في ظل التحاصص الطائفي والاثني. فهذا التحاصص لا ينتج سوى التشظي على مختلف المستويات، وعدم القدرة على وضع الرؤى والستراتيجيات والسياسات الموحدة والواضحة. كما ان نظام المحاصصة يخلق بيئة مشجعة للفساد ويعطل امكانية مكافحته جدياُ . ومن خصائص هذا النظام الذي ابتلي به العراق، تعقيد عملية اتخاذ القرار السياسي، وخصوصاً القرارات التي تتصل بالمصالح الوطنية العليا وذات الأهمية في تقرير مصير البلاد. وخير ما يدل على ذلك ما نشهده اليوم في الصعوبة التي يواجهها فرقاء الحكم في بلورة موقف موحد إزاء تنفيذ اتفاقية انسحاب القوات الأمريكية من العراق في موعدها المحدد نهاية هذا العام، وكذلك في اتخاذ موقف موحد إزاء تجاوزات دول الجوار على العراق .
ويترك كل ذلك مجتمعاً، تأثيره البالغ الضرر على مجمل اوضاع البلاد وعلى حياة الناس. فالطابع الريعي وغير المنتج للاقتصاد العراقي يشتد سنة بعد أخرى، اذ لم تعد القطاعات الاقتصادية المنتجة، باستثناء النفط، تمثل مساهمة تذكر. فمساهمة قطاع الصناعة التحويلية انخفض إلى حوالي 1,7% من الناتج المحلي الاجمالي والزراعة إلى أكثر قليلاً من 5%، وبلغت معدلات البطالة الرسمية 15% والفعلية 39% عام 2009 حسب تقارير البنك الدولي، ويقع 23% من السكان تحت خط الفقر. ويمكن الاستفاضة في ذكر مؤشرات تبين الواقع المعاشي المتردي لابناء شعبنا وهو يطفو على بحيرة من النفط.
ان الوضع الراهن بملامحه السالفة الذكر لم ينشأ بمعزل عن آثار الاحتلال والسياسة التي اعتمدتها سلطته بعد 2003 وتركتها الثقيلة التي يعتبر الحزب، الخلاص منها تحدياً الوطنياً رئيسياً يواجه البلاد وقواه الوطنية والديمقراطية، يقتضي تأمين شروط ومستلزمات النجاح في مجابهته.
وإلى جانب هذه الأزمة المركبة بابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتلازم معها، تتعرض الحقوق والحريات المدنية الديمقراطية التي يكفلها الدستور إلى انتهاكات متزايدة. وباتت العديد من احكام الدستور تجدها القوى النافذة قيوداً عليها الانفكاك عنها، كما ان بعض هذه القوى لا يتوانى عن اللجوء إلى منظومة الأعراف والتقاليد الاجتماعية المحافظة لبسط وتشديد تأثيره وسيطرته على وعي الناس ومحاربة الأفكار التنويرية والسلوكيات المدنية.
وقد رافق تعمق ازمة نظام حكم المحاصصة ، تنامي حركات الاحتجاج المطلبي في مختلف محافظات العراق التي اتخذت اشكالاًمتنوعة. وقد شخّص حزبنا منذ وقت مبكر، اوائل العام الماضي، أن النضال المطلبي الجماهيري سيكتسب اهمية متزايدة واعلن انحيازه التام إلى صف الناس وحقهم المشروع بالمطالبة بحقوقهم وتحسين احوالهم المعيشية، وشدد على ضرورة المشاركة الفعّالة في النضالات المطلبية وفي الحملات التي تدافع عن الحقوق والحريات المدنية.
وقد امتدت تأثيرات عواصف التغيير في المنطقة، والتظاهرات والاحتجاجات التي عمتها، إلى بلادنا لتحفز الحركات الاحتجاجية والتظاهرات، خصوصاً في أوساط الشباب. وقد توقف الحزب ملياً عند الانتفاضات الجماهيرية ذات الطابع الثوري في تونس ومصر واسقاطها للحكومات القائمة، وكذلك عند ما يجري في اليمن والبحرين وسوريا.
وهو يرى ان هذه الانتفاضات تمثل تطوراً نوعياً في اوضاع المنطقة والبلدان التي شملتها، وأنها اطلقت حركة تغيير عميقة في هذه المجتمعات لا تزال جارية، ولا يجوز النظر اليها وتحليلها وفهم ابعادها وآفاقها بمعزل عما يدور ويتغير في العالم والنشاطات والحركات الثورية فيه. كما يجب النظر اليها بالارتباط مع التناقضات والازمات الداخلية للانظمة الحاكمة ذات الطابع الشمولي الاستبدادي التي تصادر ابسط الحقوق والحريات الديمقراطية. وإذ تتعدد وتتنوع التأثيرات الخارجية للقوى الدولية المهيمنة وللمنظمات الدولية الداعية الى "الانفتاح الاقتصادي" المنفلت وسياسات الليبرالية الجديدة، ولكن في المحصلة النهائية تظل العوامل الداخلية، المتفاعلة مع العوامل الخارجية، المحرك الاساسي لهذه الانتفاضات الثورية. وقد نبّهنا إلى ان هذه الانتفاضات لا يزال امامها طريق وعر وصراعات لاجل انضاج التحرك الجماهيري وتحويله إلى ثورة حقيقية، وهذا ما تؤكده التطورات في مصر وتونس. واذ ندرك اهمية وضرورة التمعن في دراسة ما حصل ويحصل في بلدان المنطقة، واستخلاص الدروس العامة المشتركة منها، فاننا نؤكد ضرورة استلهام هذه الحركات والتجارب، وليس استنساخها، لأن لكل بلد اوضاعه وظروفه الملموسة.
وعلى خلفية هذه الأوضاع وفي سياق تطوراتها، يواصل الحزب تحضيراته لعقد مؤتمره الوطني التاسع بروحية الديمقراطية والتجديد التي اطلقها واعتمدها مؤتمره الوطني الخامس عام 1993. فمنظمات الحزب في عموم العراق تواصل العمل لعقد الاجتماعات لاعضائها لمناقشة الوثائق وانتخاب الهيئات القيادية والمندوبين ، ابتداءً من اصغر خلية حزبية، مروراً بلجان ومنظمات الاحياء والمناطق والمحافظات وصولاً إلى انتخاب مندوبي المؤتمر . فمنذ عام 1993، اصبحت قيادات جميع الهيئات الحزبية منتخبة بمؤتمرات دورية حسب قواعد النظام الداخلي. وبذلك اصبح لكل عضو حزبي الحق في الترشيح لمواقع قيادية في الهيئات على المستويات المختلفة اذا ما استوفي شروط الحد الادنى من القدم الحزبي، يبلغ اقصاه مدة ثلاث سنوات، للترشيح للجنة المركزية.
وهذا التطور في الديمقراطية الداخلية وسّع نطاق مشاركة الأعضاء في رسم وتقرير السياسة العامة، كما انها تعززت ايضاً بالصيغ والقنوات المضافة المتنوعة التي اوجدها الحزب بهدف تعزيز هذه المشاركة وتنشيط عملية التواصل الداخلي بين القيادات والاعضاء.
وكما اشرنا فيما تقدم ،ان التحضيرات لهذا المؤتمر اعتمدت اساليب انفرد بها الحزب على صعيد الانفتاح نحو الاوساط غير الحزبية، للمشاركة في مناقشة وثائقه. وذلك باطلاق دعوة عامة للمشاركة على صفحات جريدته ومنابره الاعلامية الاخرى وموقعه على الانترنيت والفيسبوك، وقيامه بمخاطبة مباشرة لعشرات المثقفين والمتخصصين والناشطين السياسيين وفي منظمات المجتمع المدني لابداء الملاحظات، ومبدياً الاستعداد لنشرها للاطلاع العام.


2ــ وقف الحزب الشيوعي منذ نشأتهِ مع قضايا الطبقات الكادحة و المرأة والطفل وحقوق الشعب الكردي والأقليات ، ويعتبر الحزب الوحيد الذي يجمع كل مكونات الشعب العراقي ، ما السبب برأيكم في تراجع الحزب في الانتخابات الأخيرة ؟


ج 2:
بدءً ارى من المناسب تدقيق المعلومة الواردة في السؤال، والتي يشير إلى تراجع الحزب في الانتخابات الأخيرة. وليس واضحاً على اي اساس تم استخلاص هذا الاستنتاج، إذ أن اي مقارنة تفترض ثبات اساس او مرجع المقارنة، في حين أن الحزب خاض الانتخابات المختلفة بصيغة وقوائم مختلفة. فمرة خاضها بقوائم تحمل اسم الحزب، واخرى بقائمة ائتلافية تضم احزاباً وقوى اخرى كما في قائمة "مدنيون" عام 2009. كما ان انتخابات مجالس المحافظات تختلف عن الانتخابات النيابية. لذا، فان المقارنة السليمة هي تلك التي تعتمد الاسس العلمية المشار اليها اعلاه.
ولهذا الغرض يمكن مقارنة النتائج التي حصلت عليها قائمة (اتحاد الشعب) في انتخابات الجمعية الوطنية عام 2005 مع نتائج انتخابات مجلس النواب عام 2010، وذلك بعد اجراء التعديلات الضرورية التي يقتضيها التغير في قانون الانتخابات.
في الجدول أدناه مقارنة بين الأصوات التي حصلت عليها قائمة " اتحاد الشعب "في انتخابات الجمعية الوطنية التي جرت يوم 30/1/2005 والأصوات التي حصلت عليها قوائم الحزب في الانتخابات البرلمانية في 7/3/2010.

المحافظة

أصوات

"اتحاد الشعب" لسنة 2005

نتائج انتخابات مجلس النواب العراقي 7/3/2010

المقارنة

مجموع النتائج في

 15 محافظة

  56.235

  61.829

  5.594+

محافظات كردستان

  2045

 

   

   

   الخارج

  11.640

 

  3.500

  8.140-

المجموع الكلي

  69.920

  65.339

  4.581 -

   


يلاحظ أن مجموع الأصوات التي حصلت عليها قائمة (اتحاد الشعب) في الانتخابات الأخيرة بلغ  65.339 صوتا، في حين بلغ عدد الاصوات التي حصلت عليها قائمة (اتحاد الشعب) في انتخابات 2005 ما مقداره 69.920 صوتا. ولأجل الوصول إلى استنتاجات ذات دلالة سياسية ومغزى من الناحيتين العلمية والاحصائية ، لا بد من اجراء التعديلات الضرورية التالية لجعل الارقام متناسبة وقابلة للمقارنة :

1- استبعاد اصوات محافظات كردستان من المقارنة لأن قائمة "اتحاد الشعب" لم تطرح مرشحين لها في هذه المحافظات في الانتخابات الأخيرة.
2- فرز اصوات الخارج عن اصوات المحافظات الخمس عشرة داخل العراق. وثمة صعوبة تبرز في هذا المجال بسبب التغيير في طريقة الانتخاب والتحول من نظام الدائرة الواحدة إلى نظام الدوائر المتعددة. فقد احتسبت اصوات الخارج في الانتخابات الأخيرة ضمن أصوات المحافظات وليس منفصلة كما في انتخابات عام 2005. ويتضمن الجدول ارقاماً تقريبية لما حصلت عليه قائمة "اتحاد الشعب" في الخارج في الانتخابات الأخيرة.
وبعد الأخذ بهذه التدقيقات ، تبين المقارنة مايلي:
1- أن الأصوات التي حصلت عليها القائمة داخل العراق باسثناء محافظات كردستان ، قد ارتفعت بمقدار 5594 صوتاً مقارنة مع 2005.
2- حدوث انخفاض شديد في عدد الأصوات التي حصلت عليها القائمة خارج العراق والذي زاد على ثمانية آلاف صوت، اي ما يمثل حوالي 70 في المئة مما حصلت عليه القائمة عام 2005. ولا شك أن هذه النتيجة لم تأت بمعزل عن الخروقات الصارخة والارتباكات التي شابت عملية تنظيم الانتخابات في الخارج وحجب حق التصويت عن آلاف العراقيين هناك بحجج مختلفة، رغم ان معظمهم كان قد شارك في انتخابات 2005.

في ضوء هذه المعطيات يمكن الاستنتاج أن الحزب لم يتراجع في الانتخابات الأخيرة من حيث عدد الأصوات ، والأدق القول أن نتائج قوائم الحزب في الانتخابات الأخيرة قد عكست ثباتاً نسبياً في اصواته، وليس تراجعاً ، وذلك من الناحيتن المطلقة والنسبية لأن العدد الاجمالي للناخبين كان أكثر من 12 مليون ناخب عام 2005 و حوالي 11،6 مليون ناخب عام2010.
ولكن هذا التدقيق لا ينفي حقيقة أن هذه النتائج غير مرضية، ولاتتناسب مع الدور والمكانة الفعلية التي يشغلها الحزب في الحياة السياسية للبلاد على جميع المستويات.
أما عن اسباب هذه النتائج، يصعب الحديث عن سبب واحد أو التركيز على الجانب الموضوعي او الذاتي، بل نحن ننظر الى مجموعتي العوامل الموضوعية والذاتية في اطار وحدتهما وتفاعلهما وتاثيراتهما المتبادلة.
من العوامل الهامة التي اثرت على مسار ونتائج الانتخابات المال السياسي الذي تدفق بسخاء لا سابق له على قوائم القوى المتنفذة من خارج العراق وداخله. وقد لعب ايضاً استخدام موارد الدولة في الحملات الانتخابية دوراً كبيراً في منح قدرات اعلامية وتعبوية للقوائم الكبيرة، كما كانت التعديلات الجائرة واللادستورية، عنصراً حاسماً في اقصاء القوائم "الصغيرة"، ومنها قائمة الحزب وحلفائه . وإلى جانب ذلك، ساهمت في التأثير على نتائجها، التجاوزات واعمال التزوير التي شابت مختلف مراحل العملية الانتخابية كما بات يصرح به قادة القائمتين الفائزتين ، وتواطؤ وعدم حيادية جهاز المفوضية المستقلة للانتخابات.
ولكن ثمة عامل اساس يتمثل بحقيقة أن الواقع الاجتماعي – السياسي للعراق لا يزال يحمل آثار وعواقب ما يقارب اربعة عقود من أزمة شاملة عصفت بالبلاد والقت بظلالها على الجميع، ومن بينها قوى اليسار والديمقراطية، وتشكلت المرتكزات المسببة لتلك الأزمة في عناصــــر عديدة نشير اليها بشكل مكثف وهي:

• خلال الفترة التي هيمن فيها النظام الدكتاتوري ، تعرض حزبنا الشيوعي الى حملات قمع وتشويه ظالمة، على يد سلطة قمعية غاشمة، الأمر الذي أثر بشكل فاعل على فرص الحزب في إقامة صلات واسعة مع الجماهير. وقد ارتبط هذا الامر بتعاظم التوجه الديني للجماهير الباحثة عن الخلاص من جحيم القمع والظلم والإستعباد، وإصطفافها مع قوى الإسلام السياسي، التي بدأت تشغل - شيئاً فشيئا - ولأسباب عديدة، موقع الصدارة في العمل السياسي العراقي، على حساب الحزب الشيوعي.
ومن المفيد التذكير بان القمع لم يستهدف الوجود التنظيمي والسياسي للحزب، وإنما تعداه إلى محاولات تجريده من قاعدته الإجتماعية. عبر شن حملات اعلامية – فكرية استهدفت زعزعة ثقة الجماهير ليس بالحزب ككيان سياسي، بل وبمجمل الفكر الشيوعي أيضا. ولم يستطع الحزب خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا من التغلب على اثار تلك السياسات التدميرية وبناء علاقات جديدة واسعة بالسرعة المطلوبة.
• تعمق الطابع الريعي والطفيلي للاقتصاد العراقي نشوء بنية اقتصادية مشوهة افرزت فئات اجتماعية نهّابة، بيروقراطية وطفيلية، لا تحمل اية منظومة للقيم، كما أشاعت نمطاً من السلوك الاجتماعي في اوساط اجتماعية واسعة، بما في ذلك من الجماهير الشعبية، ابرز سماته البحث الدائم عن حالة التشبع الاستهلاكي، وما يرتبط بذلك من نمط استهلاكي مشوه ألقى بثقله على بنية الوعي.
• " الحملة الإيمانية " للنظام المقبور وما تركته من آثار على بنية الوعي وتزييفه.
• وارتبط كل ذلك بحدوث عمليات تشويه واسعة لوعي قطاعات عريضة من القوى الاجتماعية وخصوصا الكادحة منها والفئات المهمشة اقتصاديا واجتماعيا والمقصية عن حقول الإنتاج والاستهلاك، التي يفترض أنها الأقرب إلى الحزب وتؤلف قاعدته الانتخابية.
• يضاف إلى ذلك ضمور ، إن لم نقل انهيار" الطبقة الوسطى "، احد أهم حواضن القوى الديمقراطية ومنها حزبنا، نتيجة للحرب العراقية الإيرانية والحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق، ولاحقاً بعد عام 2003 نتيجة الاحتلال وحروب الطوائف والنشاط الإرهابي.
• وانعكست هذه التغييرات الاقتصادية –الاجتماعية والثقافية على بنية الطبقة العاملة والتي فقدت وجودها المكثف في مواقع محدده بسبب السياسات الاقتصادية للنظام المقبور والحصار الاقتصادي وسياسات الاحتلال وما انتهجته الحكومات الجديدة.

ويمكن أن نشير ايضاً إلى استمرار تأثير التداعيات السياسية والفكرية لانهيار الاتحاد السوفييتي والبديل الاشتراكي والضعف البيوي لمنظمات المجتمع المدني والتحالف الوثيق بين قوى الارهاب والتخريب وبقايا النظام المقبور وامتلاكها المال واعتماد الاساليب القمعية والتخويف وتهديد الناخب وخصوصا في المناطق الساخنة، ما اثر سلبا على نشاط القوى الديمقراطية في هذه المناطق، اضافة الى نشاط بعض الميليشيات التي ساهمت في حرف توجه الناخبين البسطاء ودفعهم للتصويت لصالح قوائم معينة دون غيرها.

كما لا يجوز اغفال تواصل وقوة التعبئة المذهبية / الطائفية بدل التعبئة السياسية الصحيحة العابرة للطوائف والاثنيات في توجيه الناخب نحو صناديق الاقتراع، وما ترتب على ذلك من أنماط للانتخاب ومشاعر الانتماء الاثني والديني والطائفي.

واعتقد علينا ان ندرك سبب عدم منح اقسام واسعة من الكادحين أصواتهم إلى ممثليهم الحقيقيين،الحزب الشيوعي والقوى الديمقراطية التقدمية، لا يرتبط حصراً بمحدودية القوة الذاتية للحزب وحلفائه في الظرف الراهن، وإنما يرتبط، أساساً، والى حد كبير، بقوى الثقافة المهيمنة، والصراع الحاد المتفاقم بين الجديد والقديم، والتوازن الاجتماعي والسياسي الذي لا زال يميل لصالحها، وسط استثمار عناصر التخلف في الثقافة السائدة، وتدني وعي الملايين.

ولكن هذه المجموعة من العوامل البنيوية والتاريخية الموضوعية، لا تعني مطلقاً عدم وجود عوامل ضعف وتقصير ذاتية توقف عندها الحزب طويلاً عند تقييمه لنتائج الانتخابات. ويمكن ان نجملها بالتالي :

• درجة من عدم الوضوح في الخطاب السياسي للحزب خلال الفترة التي سبقت الانتخابات، وخصوصاً في ما يتعلق الأمر بطرحه لمواقفه في وسائل الاعلام نقده الأداء الحكومي وعدم تبنيه بالقدر والوضوح اللازمين، للمطالب الجماهيرية وعدم الوضوح الكافي في طرحه لمواقفه في وسائل الاعلام، وتأخره في اتخاذ مواقف علنية إزاء التطورات والأحداث.
• لم يينجح الحزب في الاتصال واقامة الصلة بالعديد من الأوساط الجماهيرية من خلال انشطة ومبادرات متنوعة في المحتشدات السكانية والجماهيرية، ولا سيما اولئك الذين لم يشاركوا في الانتخابات احتجاجاً على اداء الفائزين في الانتخابات السابقة.
• ضعف الامكانيات الاعلامية للحزب والقوى الديمقراطية عموماً، على مستوى التواصل الجماهيري وبالتالي على قدرته وفاعليته في التأثير على آراء وخيارات الناخبين.
• محدودية القدرات المالية للقوى الديمقراطية ومنها حزبنا الأمر الذي وقف عائقا أمامها لخوض حملة إعلامية تستطيع ان تجاري بها أطراف الأخرى التي تمتلك موارد مالية هائلة ومارست استخدام المالي السياسي بقوة لجذب الناخبين والتأثير عليهم ودفعهم للتصويت لقوائمها.
• التشتت وضعف التنسيق والتعاون بين القوى الديمقراطية واليسارية العراقية. وتتيح قراءة الأرقام التي أصدرتها المفوضية الاستنتاج بان هناك قوى ظهرت تحت تسميات ديمقراطية مختلفة الجزء الأعظم منها لم يصل الى القاسم الانتخابي للمحافظة، إضافة عن عدة أضعاف هذا العدد ممن اختاروا عدم التصويت أساسا.

ولعل من أهم عوامل ضعف القوى الديمقراطية واليسار الانتخابي ، التشرذم والعجز عن بناء تحالف حقيقي فاعل، ما يعمل على ضعف الكتلة الديمقراطية التي ينشغل بعض اطرافها بنقد البعض الآخر. وبسبب هذا الانقسام وبقاء العديد من اطراف اليسار والقوى الديمقراطية بعيداً عن ساحات المعارك لاسباب مختلفة ما تسبب في عدم تحقق ذلك التلاحم الواجب بين الحركات الاحتجاجية الاقتصادية وبين التحركات السياسية المطالبة بالتغيير السياسي، وهذا ما يعمل حزبنا على تجاوزه مع العديد من القوى والشخصيات الديمقراطية.

لقد اجرى الحزب عملية تقييم شاملة لنتائج الانتخابات شاركت فيها جميع منظمات الحزب ، وعقدت من أجلها اللقاءات والاجتماعات الموسعة وبطريقة شفافة اعتمدت فيها الصراحة والروح الانتقادية. وما عدا الانتقادات واوجه التقصير اوردتها فيما تقدم، لم يتم وضع السياسة العامة للحزب والاداء العام لهيئته القيادية موضع المسؤولية في ضعف النتائج. فقد كان اتفاق عام على ان سياسة الحزب تستقبل بصورة ايجابية ولم يواجه اعضاء الحزب وانصاره مواقف عدائية او سلبية على الصعيد الجماهيري.


3 ــ في ظل الفوضى التي يعيشها الاقتصاد العراقي تعاني الحركة العمالية والنقابية من تراجع كبير وتشتت من جهة ، ومن قلق وقسوة في بعض الاحيان من الحكومة تجاهها ، ما هو السبيل برأيكم لبث الروح في هذهِ النقابات لتعبّر بشكل أفضل عن الحركة العمالية وتقود نضالاتها ؟

عانت الطبقة العاملة العراقية وحركتها النقابية طيلة حكم النظام السابق من ظروف غاية في الصعوبة والتعقيد والتهميش والاضطهاد . حيث اضطهدت الكوادر النقابية الحقيقية ونصبت عناصر هي جزء من النظام واجهزته القمعية والحزبية ، وتجسدت سياسة ذلك النظام في اصدار عدد من القرارات والقوانين المعادية للطبقة العاملة وحركتها النقابية تمثلت في القرار سيىء الصيت ( 150 ) لسنة 1987 وقانون العمل الجائر ( 71 ) لسنة 1987 وقانون التنظيم النقابي للعمال ( 52 ) لسنة 1987 . كما تم زج اعداد كبيرة من العمال في الحروب الكارثية التي شنها النظام وهجرة اعداد اخرى خارج الوطن، اضافة إلى تعطل الكثير من المشاريع والمصانع والنشاطات الانتاجية مما ادى الى اضعاف الطبقة العاملة وتهميش دورها .
بعد التغيير عام 2003 بادر عدد من النقابيين، وبينهم الشيوعيين الذين سبق وان تم ابعادهم عن العمل النقابي، الى اعادة تأسيس اتحاد لنقابات العمال في بغداد والمحافظات العراقية.
كان من المفروض ان تمارس الحركة النقابية دورها الفاعل وتقدم لها الوسائل الكفيلة بتطوير عملها في إعادة بناء الوطن ومؤسساته وبناء التنظيم النقابي الحر المستقل الديمقراطي . الّا انه وبسبب طبيعة الحكومات التي تسلمت السلطة والتوجهات الاقتصادية الليرالية نحو اقتصاد سوق غير منظم ، لم يتسن للطبقة العاملة العراقية ممارسة هذا الدور. فعلي الصعيد السياسي والحقوقي، ما زالت القرارات والقوانين التي اصدرها النظام السابق سارية المفعول، لا بل اصدرت حكومة السيد الجعفري آمراً ديوانياً بوضع اليد على اموال وممتلكات الاتحادات والنقابات المهنية ومنها الاتحاد العام لنقابات العمال منذ 8 ــ 8 ــ 2005 ولحد الان. كما تعاني الحركة النقابية من التدخل المباشر من قبل السلطة واحزابها في الشؤون الداخلية للتنظيم النقابي، ومنها بشكل خاص التدخل في منع إجراء الانتخابات العمالية وفرض لجان تحضيرية للانتخابات من خارج الأطر النقابية.
ولا شك أن استمرار هذا الملف معلقاً يؤثر على الطبقة العاملة وحركتها النقابية التي يدعمها الدستور العراقي الجديد ومعايير العمل العربية والدولية في اقامة تنظيمها النقابي الحر والمستقل.
أن الحزب يتضامن ويدعم مطالب الحركة النقابية والاتحاد العام في الحفاظ على استقلالية النقابات ورفض التدخلات الحكومية وفي الغاء القوانين والتشريعات المقيدة لحق التنظيم النقابي لعمال القطاع العام.
لا شك ان ضعف الحركة النقابية يعكس تراجع الانشطة الانتاجية عموماً ، والصناعية بشكل خاص، حيث لا تزال معظم الشركات العامة الصناعية ومؤسسات القطاع العام الاقتصادية والإنتاجية التي يقارب عددها ال ( 200 ) مؤسسة وشركة ، غير مؤهلة وتعمل باقل من 30% من طاقتها ، كما أن اكثر من ثلاثين ألف منشأة (ما يعادل أكثر من 70%) من مؤسسات وشركات ومشاريع القطاع الخاص الصناعية متوقفة ،او شبه معطلة، بسبب غياب الدعم والحماية وارتفاع تكاليف الانتاج وعدم القدرة على المنافسة. وتتعرض شركات القطاع العام الصناعية لعملية خصخصة غير مدروسة ، إلى جانب سياسة الانفتاح واجتذاب الاستثمار الاجنبي واستقدام والشركات الاجنبية ، التي لبعضها باع طويل في ممارسة العسف والاضطهاد للطبقة العاملة وتنظيمها النقابي.
ويمر تعزيز بناء وقوة النقابات عبر المطالبة، والضغط المتعدد الاشكال على الحكومة لزيادة التخصيصات المرصدة للقطاع الصناعي وللمؤسسات الانتاجية،وحل مشكلة شركات القطاع العام وتمكينها من استعادة نشاطها وعملها ، وتطبيق قانون التعرفة الكمركية لحماية الانتاج الصناعي الوطني والاسراع في اعادة تأهيل المناطق الصناعية. وكذلك تشديد الضغط على الحكومة لالغاء القوانين والممارسات التعسفية المقيدة للعمل النقابي.
ويدعو الحزب سائر التنظيمات النقابية إلى توحيد جهودها وهي تخوض نضالات طبقية يصعب تحقيق النجاحات فيها دون تضافرجهود سائر القوى والتنظيمات النقابية. كما تشترط فاعلية العمل النقابي واجتذابه لجماهير العمال، التصاق النقابات والنقابيين بجماهير العمال في المعامل والمؤسسات والتعبير والدفاع عن مصالحهم وحقوقهم ، وضرورة عدم حصر قادة العمل النقابي عملهم باعمال ونشاطات ذات طابع فوقي وبيروقراطي.
كما ان الحزب يعي جيداً ان جميع القوى المتنفذة متفقة على التوجه نحو اقتصاد السوق، والذي يعني عملياً ،في ظل الافتقار ألى الضوابط والتنظيم والتشريعات الضرورية، اقتصاداً شبه مافيوي لا يوجد فيه ما يحمي العامل والشغيل من تشديد استغلال رب العمل له، ما يؤكد ضرورة النهوض بواقع العمل النقابي وتوفير كل الدعم الممكن لتحقيق ذلك.
ويناضل الحزب الشيوعي العراقي من اجل ان يكون للطبقة العاملة مكانتها ودورها الطبقي والوطني في مجمل حركة مجتمعنا وقطاعاته المختلفة .



4ــ كيف تنظرون لموضوع تشكيل جبهة ديمقراطية علمانية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية في العراق إستعداداً لخوض الانتخابات المقبلة في قائمة موحدة، وكذلك لمواجهة التحديات التي تعيق مسيرة القوى التقدمية في العراق؟ وخاصة انه هناك مخاوف وقلق من سيطرة قوى الإسلام السياسي على الحكم في البلاد وتقويض الحريات فيها؟


نحن نعتقد ان الواقع السياسي في العراق يعيش مفارقة مثيرة للانتباه تؤكدها نتائج الانتخابات، وهي وجود جمهرة كبيرة من ذوي التوجهات الديمقراطية، موزعين على قوائم انتخابية مختلفة، ومنهم يقاطعالانتخابات، ولكن بالمقابل هناك تيار سياسي ديمقراطي محدود وضعيف التاثير في المجتمع. وينعكس ذلك في ضعف قدرة القوى المكونة للتيار في جمع وتوحيد صفوفها وتنمية قدراتها على التعبئة الجماهيرية وحشد القوى التصويتية.
من ناحية اخرى، تقدم التطورات في العراق خلال السنين الأخيرة الدليل تلو الآخر، ان القوى المتنفذة والماسكة بزمام السلطة، وبحكم طبيعة تشكيلها وبنائها السياسي والاجتماعي الطائفي – الاثني، ومصالحها الضيقة عاجزة عن تقديم برنامج فعلي وحلول دائمة وجذرية للمشاكل والتحديات الوطنية والاجتماعية-الاقتصادية التي تواجه البلاد وفي بناء الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على المواطنة واحترام حقوق الانسان بمضامينها الفردية والاجتماعية، والعدالة الاجتماعية. وما يشهده العراق من تناسل لازمات حكومات نظام المحاصصة الطائفية- الأثنية يعزز هذا التحليل والتقييم.
لذلك يرى حزبنا ان المطلوب في المرحلة الراهنة هو بناء وحدة القوى الاجتماعية والسياسية ذات المصلحة في حمل المشروع الوطني الديمقراطي والنضال من اجل تحويله إلى واقع. والمشروع السياسي الأكثر قدرة على تحقيق المهام الوطنية وبناء وتوطيد النظام الديمقراطي الاتحادي الدستوري، وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وتوفيراعلى قدر ممكن من العدالة الاجتماعية. كما أنه يوفر افضل الضمانات لحسن التصرف بالموارد النفطية وتوظيفها لغرض تأسيس اقتصاد وطني متنوع وكفوء.
وعلى هذا الاساس ووفق هذه الرؤية، تبنى حزبنا منذ اواسط التسعينات اطروحة التيار الديمقراطي، باعتباره تياراً سياسياً واجتماعيا ، يدعو ويعمل من أجل الديمقراطية بمضمونها السياسي والفكري والمؤسسي، وكذلك بمحتواها الاجتماعي الذي يدعو إلى وجود قطاع عام فاعل وكفوء، واقامة نظام ضمان اجتماعي شامل، وتوفير البني التحتية والخدمات الاجتماعية المجانية او شبه المجانية إلى المواطنين، وخصوصاً في مجالات الصحة والتعليم والاسكان وغيرها.
والتيار الديمقراطي حسب هذا الفهم، لا يضم فقط القوى والأحزاب والمنظمات والشخصيات التي تشترك في تبني الديمقراطية بمضامينها السياسية والاجتماعية، وإنما يشمل تلك القوى والفئات المجتمعية التي لها مصلحة في مشروع التيار الديمقراطي ولكنها لم تعبر عن ذلك سياسياً بعد.
ونجد ان الظرف الحالي يتطلب من القوى الديمقراطية، وكذلك اليسارية التي لها مشاريع سياسية واقتصادية اجتماعية أكثر جذرية، ان تدرك جيداً الاهمية الاستثنائية لدورها التاريخي في اللحظة الراهنة، وأن تتوجه لمواصلة الجهود الحثيثة المبذولة حالياً، لتجميع قواها ورص صفوفها لاستنهاض التيار الديمقراطي وجعله طرفاً اساسياً في الصراع الدائر اليوم حول مستقبل العراق. وما تقوم به لجنة تنسيق قوى التيار الديمقراطي التي تضم ممثلي الحزب الوطني الديمقراطي والحزب الوطني الديمقراطي الأول والحركة الاشتراكية العربية اضافة إلى الحزب الشيوعي وعدد من الشخصيات السياسية والاكاديمية والمهنية الوطنية المرموقة ذات السجل النضالي المشهود، نحو لمّ صفوف قوى وشخصيات التيار في عموم محافظات العراق ، ما عدا كردستان، يسير بالاتجاه السليم، وإن كنَا نتمنى ان يتقدم العمل بوتائر اسرع. فقد تم عقد مؤتمرات لقوى التيار في جميع المحافظات، ما عدا صلاح الدين، شارك فيها ما يقارب الخمسة ألاف شخص، وانبثقت عنها لجان تنسيقية تضم شخصيات ذات مكانة واحترام في مناطقها في المحافظات وفي بغداد انعقت عدة مؤتمرات، كما شهدت العديد من بلدان الخارج، في اوروبا وامريكا، انعقاد مؤتمرات مشابهة انبثقت عنها لجان تنسيقية.
وقد ناقشت هذه المؤتمرات وثيقتين ، سياسية وتنظيمية، عممت من لجنة التنسيق العليا ، واجرت عليها المؤتمرات اضافات وتعديلات أخذتها اللجنة التنسيقية بعين الاعتبار في اعدادها لمسودتي البرنامج السياسي والنظام الداخلي التي طرحت للنقاش، تميهداً لعرضها على المؤتمر المزمع عقده خلال هذا العام لمناقشتها واقرارها.
ودفعاً لأي لبس في الفهم، فان التيار الديمقراطي لا يقتصر على القوى السياسية والشخصيات المشاركة حتى الأن، بل هو تيار مفتوح لانضمام قوى وشخصيات اخرى تتقاسم هذه التوجهات ولها الرغبة في العمل المشترك. ومن المؤمل ان تمثل الصيغة التنظيمية التي ستنبثق عن المؤتمر القادم، صيغة تحالفية متميزة عمّا عرفته الساحة السياسية العراقية سابقاً. وحسب مسودة النظام الداخلي المطروحة حالياً للنقاش،فان هذه الصيغة ستكون اكثر من تنسيق واقل من اندماج، حيث انها تحترم وتحفظ استقلالية الآحزاب المشاركة، كما تفترض قبولهم ببعض الالتزامات المحددة في مسودة قواعد العمل، كما انها تؤمّن مشاركة ومساهمة فاعلة للشخصيات المستقلة في الهيئات القيادية المقترحة. وتبدو اليات العمل والانتخاب المقترحة ، والتي نأمل ان يجري اغناؤها وتطويرها، متوازنة وتحفظ حقوق جميع مكونات التيار.
ان قوى التيار الديمقراطي الحالية لا تدعي تمثيل سائر القوى الديمقراطية ولا يمثل نشاطها وعملها بديلاً لاي طرف آخر. اما حزبنا فيدرك تماماُ الطبيعة المتنوعة لمكونات التيار، والتي تشمل احزاباً واتحادات ومنظمات مجتمع مدني، اضافة الى الشخصيات المستقلة. لذلك نرى ضرورة اعتماد المرونة وسعة الصدر ونبذ اي شكل من اشكال الهيمنة والاقصاء. ويستوجب بناء هذا التحالف وضمان ديمومته، الاحترام المتبادل بين مكوناته، والابتعاد عن التحسس المفرط ، سيما إزاء الأحزاب من قبل بعض المستقلين. فلا بد ن يقر الجميع حقيقة ان التيار يضم الاحزاب اضافة الى المنظمات والشخصيات، وان التفريط باي طرف او مكوَن هو اضعاف للجميع.

فهل يا ترى يتعارض هذا التوجه مع بناء جبهة ديمقراطية علمانية تضم قوى اليسار والديمقراطيين ؟

نحن نعتقد انه من المفضل ان يجري التركيز على بناء تحالف واسع يضم القوى الداعية والمطالبة ببناء دولة مدنية ديمقراطية، وتحقيق الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي. فهذا من شأنه اجتذاب قوى وقاعدة اوسع ويجنبنا الخوض في التشوش والتشويش، الحقيقي لدى البعض والمفتعل لدى البعض الآخر، الذي لا يزال يقترن بمفهوم العلمانية، مع ادراكنا التام لأهمية وضرورة فصل الدين عن الدولة ( او عن السياسة أو السلطة حيث لكل تعبير مدلولاته الخاصة).
وكما اسلفت، فان المرحلة الحالية يستجيب لها المشروع الوطني الديمقراطي، وبذلك تطرح مهمة استنهاض التيار الديمقراطي وتوحيد قواه. اما بالنسبة للقوى والتنظيمات اليسارية ذات المشاريع الأكثر جذرية، فلا شيء يمنع من الناحية النظرية، التقاءها وتعاونها وايجاد صيغ للتنسيق ، دون وضع ذلك بتعارض مع بناء وحدة القوى الديمقراطية وتفعيل الدور السياسي للتيار الديمقراطي. ولكن يحق لنا التساؤل عمّا اذا يمكن تحقيق ذلك وبعض التنظيمات التي تحسب نفسها على اليسارتعتبر نفسها بديلا للحزب الشيوعي وتركز معظم نشاطها وخطابها للهجوم عليه ؟ كما لنا ان نتساءل ايضاً عن جدوى الحديث عن التنسيق والوحدة وثمة عملية تناسل وانشطار وتفتت متواصلة لقوى اليسار انطلاقاً من اعتبارات ونزاعات وخلافات لا صلة لها بقضايا فكرية وسياسية موجِبة ؟ فالحزب الشيوعي لا يدعي احتكاره لليسار او للفكر الماركسي، بل يحترم التنوع والاختلاف في الاجتهاد داخل قوى اليسار، ولكن يجب ان تكون قواعد الاحترام المتبادل والحرص على تأمين شروط ومتطلبات وحدة قوى اليسار متبناة من قبل الجميع، لكي تتوفر قاعدة سليمة للحوار والبحث عن صيغ للتعاون والتنسيق والارتقاء بها.


5 ــ بعد انهيار - المعسكر الاشتراكي - ذهبت بعض الأحزاب الشيوعية الى البحث عن إشتراكية تنسجم مع التركيبة الفكرية والإجتماعية والإقتصادية لبلدانها ودرجة تطورها، هل ترى أن الأمر ممكن بحثهُ وتطبيقه في العراق ؟ وفي ضوء ذلك كيف تقيم آفاق الماركسية و اليسار في العراق بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام؟


لقد اولى حزبنا اهتماما مكثفاً لدراسة وتقييم تجارب البناء الاشتراكي وانهيارها واستخلاص الدروس منها. واعد وثيقة فكرية تقييمية رصينة طرحت للمناقشة على المؤتمر الوطني الثامن ونشرها ضمن وثائق المؤتمر تاركاً باب النقاش مفتوحا حول مواضيعها  باعتبارها قضايا فكرية ولا تزال انعكاسات وامتدادت وتداعيات انهيار هذه التجارب جارية والقضايا الفكرية والايديولجية التي تثيرها  ما  تزال موضع نقاش وجدل داخل الاحزاب الشيوعية والحركات التي تتبنى الفكر الماركسي مرجعية وفي اوساط الماركسيين عموماً في شتى ارجاء العالم.

وقد سعى الحزب الشيوعي العراقي بوقت مبكر لاستيعاب التطورات والدلالات التي احدثها انهيار بعض التجارب الاشتراكية، مدركاً الحاجة الموضوعية لتطوير ادائه السياسي وتعميق مفاهيمه النظرية عبر الاستجابة لمتطلبات الواقع وروح العصر ومنجزاته، وبالاستناد إلى الدروس المستخلصة من انهيار هذه التجارب.
ففي المؤتمر الوطني الخامس ، عام 1993، الذي اطلق عليه مؤتمر الديمقراطية والتجديد، وكذلك في المؤتمرات والكونفرنسات اللاحقة، اتخذ الحزب جملة من الترتيبات والتدابير لعمل الحزب وتنظيمه الداخلي،وخطابه السياسي وإدارة علاقاته. ومن ابرز هذه التغييرات التي احدثها في نظامه الداخلي، تعزيز جانب الديمقراطية الداخلية وذلك بجعل جميع المواقع القيادية وعلى جميع المستويات تخضع للانتخاب، وتم تقليص عدد حلقات المستويات التنظيمية، وتعززت آليات التشاور والمشاركة والتواصل الداخلي والشفافية والمصارحة والعلنية.
وإلى جانب ذلك طرح الحزب تصورات برنامجية لفهم الطبيعة المعقدة للعمليات الاجتماعية الجارية ولتعميق معرفة الحزب بتراث شعبنا وخصائصه الملموسة لتجديد حياة الحزب الداخلية وإعادة بنائها من منظور ديمقراطي. واعتبر الحزب الديمقراطية والتجديد عملية متواصلة وظاهرة ثابتة في حياة الحزب ومسيرته.
وارتباطاً بعملية التجديد والدمقرطة باعتبارهما سمتين متلازمتين ينبغي ان تطبع نشاط الحزب الشيوعي الفكري والسياسي والتنظيمي-الجماهيري، سعى الحزب لأن تكون توجهاته البرنامجية اكثر دقة في التعبير عن حركة الواقع واعمق في التعرف على خصائصه الملموسة وأكثر استيعاباً لفعل قوانين التطور الاجتماعي بعيداً عن الارادوية والنظرية الميكانيكية.
ولعل اهم الدروس التي استخلصها من فشل تجارب البناء الاشتراكي، الاهمية الحاسمة للبعد الديمقراطي في تحقيق التحولات السياسية  والاجتماعية -الاقتصادية والثقافية وتمكين الجماهير ذات المصلحة في المحافظة على مكتسباتها وتطويرها، والخلل الذي شاب تجارب البناء الاشتراكي السابقة في هذا المجال كان احد اهم اسباب انهيارها.
وتأسيساً على ذلك لم يكتف بتجديد ودمقرطة بنائه التنظيمي، وانما انسحب ذلك على رؤيته البرنامجية وممارسته السياسية. فعلى سبيل المثال ، لا الحصر ، ربط حزبنا في نضاله ضد النظام الدكتاتوري البائد ما بين النضال ضد الدكتاتورية والنضال ضد الحرب، واستناداً إلى ذات النظرة، يؤكد الحزب الربط بين النضال ضد الامبريالية والنضال من اجل الديمقراطية، ولهذا السبب يتحفظ ويعترض حزبنا على المواقف الوحيدة الجانب لبعض الأحزاب الشيوعية والماركسية، التي تتجنب ادانة الطابع اللاديمقراطي والشمولي لبعض الانظمة التي تعتبر معادية للامبريالية. وكذلك بالنسبة للترابط ما بين النضال الوطني والديمقراطي، حيث ينص برنامج الحزب على انه "يجمع بثبات بين القضية الوطنية وقضية الديمقراطية، وينظر اليهما في اطار وحدة لا تنفصم".
وعند دراسته وتحليله لانهيار بعض التجارب الاشتراكية، كانت احدى استنتاجاته الرئيسية انه رغم قسوة تاثيرات الانهيار على قوى التقدم، فان الرأسمالية ليست الافق النهائي للبشرية وان سقوط مشروع بناء الاشتراكية لا يعني موت الفكرة ذاتها. وفي برنامجه يؤكد خياره الاشتراكي، وحدد ملامح الافق الاشتراكي الذي يعمل من أجله. فجوهر بناء الاشتراكية كما يراها الحزب، يكمن في انهاء استغلال الانسان وتحقيق القيم الانسانية الرفيعة وكرامة الفرد واشاعة الديمقراطية. والبناء الاشتراكي عملية متدرجة تنبع من مجتمعنا ومراحل تطوره وتستند الى الخصائص الوطنية والقومية والثقافية والنفسية والدينية ، والتي تستفيد من تجارب وانجازات البشرية المادية والروحية ومن الدروس المستخلصة من التجارب الاشتراكية السابقة، وينبغي ان تسهم الجماهير بشكل فعال في هذه العملية. وفي ضوء واقع البلاد ومستوى تطور قاعدته الاقتصادية وقواه المنتجة وعناصر بنائه الفوقي، فان انضاج شروط تحقيق الخيار الاشتراكي هي عملية نضالية طويلة الأمد، ولذلك من المتوقع ان تسود العلاقات الرأسمالية لآماد غير قصيرة، ولا سيما ان القوى الحاكمة والدستور العراقي وتناسب القوى الطبقي والسياسي يميل لصالح القوى التي لها مصلحة ومتحمسة للانتقال الى "اقتصاد السوق".  لذا يركز الحزب في نضاله من اجل انتزاع الضمانات والمكاسب الاجتماعية لصالح جماهير الشغيلة والشعب عموماً، والتصدي لآليات السوق المنفلتة وغيرها من سمات الراسمالية "المتوحشة"، اي غير المقيدة بالقوانين والضوابط والمحددات التي انتزعتها الحركة العمالية والقوى التقدمية في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة.
وفي عملية تقييمه للتجارب الاشتراكية السابقة والمرتكزات النظرية لاخفاقاتها، اشار الحزب إلى الحاجة الموضوعية لتفحص المقولات والمفاهيم النظرية ذات الصلة، وان تتم عملية التفحص للمقولات النظرية الماركسية هذه بالاعتماد على المنهج العلمي المادي- الجدلي – التاريخي، وان تكون غاية هذه العملية تحديد ملامح الخيار الاشتراكي.
فنحن نرى ان الماركسية تظل سلاحاً نظرياً بيد القوى المناضلة ضد الرأسمالية ، ومرشداً للنضال ولفهم الواقع وتغييره، شرط منح الأولوية للعلاقة الجدلية بين النظرية والممارسة ومواصلة نهج التجديد على صعيد الفكر والممارسة ونبذ اي محاولة لتحويلها إلى قوالب جامدة و"دوغما" بافراغها من حيويتها ومواكبتها للواقع والاغتناء بالجديد من المكتشفات العلمية وانجازات العلوم كافة وما تزكيه تجربة الحياة. 

 

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article