الثورة المصرية مستمرة حتى تحقق أهدافها كلها

Publié le par Mahi Ahmed

الثورة المصرية مستمرة حتى تحقق أهدافها كلها (٢)

 

9ab8d268-7c56-4111-83f5-e12c659187a2-copie-1.jpg
نوال السعداوى
 - 2011 / 2 / 15
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
   

اكتسب الشعب المصرى ثقته بنفسه بعد نجاحه يوم ١١ فبراير فى إسقاط حسنى مبارك عن رئاسة الدولة، رغم كل المحاولات المضنية، المضحكة والمحزنة، والمناورات المعلنة والخفية فى الداخل والخارج لإجهاض الثورة، وما قام به مبارك وأعوانه للترويع والتجويع، وإشاعة الفوضى وإراقة الدماء، لاستمرار مبارك وأعوانه فى كراسى الحكم، نجحت الثورة بسبب الوحدة الشعبية الكاملة، أزالت الفروق الجنسية والدينية والعنصرية والطبقية المفروضة علينا، بسطوة الحكم الطبقى الأبوى منذ العبودية، نجحت الثورة بسبب التنظيم والوعى، والإحساس بالمسؤولية الوطنية التاريخية، والاستعداد الكامل للتضحية حتى الموت، دفاعا عن الحرية والكرامة والعدالة واستقلال الوطن، ثار الشعب المصرى كله، رجالا ونساء من كل الفئات والأعمار والعقائد والمهن والطبقات،

هذه الوحدة الشعبية الثورية الواعية السلمية، هى قوة أكبر من أسلحة الحكم الاستبدادى، ثورة الملايين المتحدة الواعية هى أكبر من قوى البوليس أو الجيش أو الإعلام الكاذب، الذى حاول تشويه الصورة الوطنية المضيئة للشعب الثائر، وإشاعة الأكاذيب، واصل إعلام مبارك وسوزان مبارك وأنس الفقى (كانت وزارات الإعلام والثقافة تتبع السيدة الأولى ضمن وزارات وهيئات وجمعيات حكومية تسمى غير حكومية) دأب هذا الإعلام الهابط على تزييف وعى الجماهير وتصوير الثوار والثائرات على أنهم خونة وعملاء لقوى خارجية، كنت أؤمن بقوة الشعوب على زلزلة العروش من قراءة التاريخ، لكن فرقاً كبيراً بين أن تقرأ وأن تعيش الثورة يوما بيوم ولحظة بلحظة حتى يسقط العرش ويتهاوى.

كان شعار الثورة المصرية «إسقاط النظام» فهل سقط النظام فعلا؟ ما أراه الآن أن رأس النظام سقط، لكن جسد النظام مازال قائما متجسدا داخل الحكومة التى شكلها مبارك قبل أن يتنحى، المطلوب الآن حكومة انتقالية جديدة ممن شاركوا فى الثورة، من وجوه وطنية مخلصة أمينة لم تجمع البلايين أو الملايين، ولم تسكت على الفساد والديكتاتورية، مطلوب أن يكون نصف وزراء هذه الحكومة من الشباب (رجالا ونساء) الناضج الواعى، لا يمكن للثورة المصرية الشعبية التى أسقطت رأس النظام أن تعود إلى بيوتها وتفقد قوتها الجماعية الكبرى،

بل هى مستمرة بقوتها واتحادها حتى يحكم الشعب نفسه بنفسه، فهذه هى الديمقراطية الحقيقية، أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ذلك، وأكد أن الجيش سوف يسلم الحكم للشعب كله.كشفت الثورة الشعبية عن عراقة وصلابة الشعب المصرى، سر صمود الشعب فى ميدان التحرير (من ٢٥ يناير حتى اليوم) أنه شعب عانى الجوع والبطالة والقهر البوليسى،

فلم يعد يهمه التجويع والترويع، رأيت أسرة بكاملها داخل خيمتها تنام الليل فى الميدان فى البرد وتحت المطر، الأم ترضع طفلها والأب يكنس الخيمة والأطفال يكتبون بقلم أسود فوق لافتة من القماش الأبيض «مش هنمشى هو يمشى».. يوم الأربعاء الدامى ٢ فبراير شارك الأولاد الصغار والبنات مع الشباب فى مطاردة الجمال والأحصنة التى أرسلها رجال مبارك لضرب الثورة،

نجحوا فى القبض على ثلاثة أحصنة، رأيتها مربوطة عند مدخل الميدان، قال لى أحد الأولاد (عمره ١٣ عاما) إنهم لم يقبضوا على الجمال لأنها عالية جدا فلم يستطيعوا القبض على راكبها فهربت الجمال بمن فوقها، كشفت الثورة أيضا عن أصالة الشعب وأخلاقه المستقيمة، لم تحدث سرقة واحدة رغم أن حقائب السيدات والبنات كانت ملقاة على الأرض داخل الخيمة وخارجها فى الممرات بين الخيام، لم يحدث تحرش واحد بأى فتاة، تقاسم الجميع الطعام القليل، رأيت شابا يتخلى عن نصيبه من الطعام لأم تحمل طفلها الرضيع وقال لها إنها تحتاج للطعام أكثر منه لأنها ترضع طفلا يبكى من الجوع، رأيت البنات والأولاد يكنسون الميدان وينظمون جمع القمامة ويبنون المراحيض وينقلون الجرحى ويكتبون القصائد والأغانى والمسرحيات، هذا هو سر صمود الثورة ونجاحها.

كشفت الثورة أن الشخصية المصرية قوية وليست رخوة كما قال واحد من النخبة التى أحاطت بمبارك وحرمه: السيدة الأولى «التى طأطأت لها هامات النخب المنافقة لكل سلطة حاكمة، خضعوا لأوامر السيدة الحاكمة فى الدولة رغم استبدادهم بزوجاتهم فى البيوت، تشدقهم بالإخلاص لله والوطن رغم خياناتهم المتكررة لزوجاتهم، ضربت النخبة المصرية المثقفة مثلاً سيئاً للشخصية المصرية، زيفت الوعى وأفسدت الرأى العام، الأدباء والأديبات والصحفيون والصحفيات الذين يهرولون إلى كل حكم جديد،

من الحزب القومى إلى حزب مصر (الساداتى) إلى الحزب الوطنى (المباركى)، يكيلون المدح لكل حاكم فإن مات أو سقط يكيلون القدح له والذم، نراهم اليوم يسارعون لضرب مبارك بعد أن سقط، يتملقون شباب الثورة الفتية الجديدة بمبالغة تصل إلى حد التقديس، لا يشعرون بالخزى أو الخجل من نفاقهم الواضح المكشوف، يتصورون أن الشعب الثائر ينسى ما كتبوه بالأمس، والجوائز التى منحها لهم مبارك.

كشفت الثورة عن وجوه المنافقين فى كل عصر وعهد، الشباب المصرى الواعى يعرفهم ويكشفهم، وإن تستروا تحت الأدب أو الإبداع والفلسفة، وإن تنكروا تحت وجوه جديدة، وإن قدموا أنفسهم لخدمة السلطة الجديدة أو لترشيح أنفسهم للرئاسة أو مجلس الشعب أو المناصب الأخرى، لن ينتخب الشباب إلا واحداً منهم شارك فى ثورتهم، عانى البطالة والفقر والقهر، أريقت دماء أخيه أو أخته أو زميله فى ميدان التحرير، أحد شباب الثورة الشعبية (أو إحدى شاباتها) سيصبح رئيسا للجمهورية المصرية الجديدة، لا يملك فيلا أو قصرا، لا يملك شركة أو رصيدا فى البنوك.

وللحديث

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article