5 – خطر تذويب الفرد في الأمّة

Publié le par Mahi Ahmed

 

  5 – خطر تذويب الفرد في الأمّة


العفيف الأخضر

المحور: العلمانية , الدين , الاسلام السياسي

إصلاح الإسلام : دراسته وتدريسه بعلوم الأديان
حديث مع العفيف الأخضر
أجراه :
ناصر بن رجب لحسن وريغ

5 – خطر تذويب الفرد في الأمّة

  n  ولكن كيف يمكنك التوفيق بين التنزيل الصالح لكل زمان ومكان وتاريخيّة النص التي تفرضها علوم الأديان؟
nn بتنزيل ((situer التنزيل في التاريخ الذي مارسه التنزيل نفسه على نفسه. فلا نكن ملكيين أكثر من الملك. فقد نسخ القرآن مئات الآيات التي تقادمت، أي فقدت صلاحية تطبيقها على الوقائع الجديدة وعوّضها بآيات "خَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا" كما تقول الآية. وبعد وفاة نبيّ الإسلام نَسَخ أبو بكر وعمر وعلي ومَعاذ بعض الآيات، كما نسخ الفقهاء بعض الآيات الأخرى والأحاديث، أَخُصّ بالذكر منهم أبو أحمد الونشريسي والفقيهين الطاهر الحداد وحسن عبد الله الترابي مثلا.

n ولكن هل الآيات الروحية كالصلاة مثلا ليست خاضعة لضرورات تنزيلها في التاريخ الذي يسمح بتعديلها ونسخها؟
nn الآيات التي نسخها القرآن كانت، باستثناء وحيد على ما أظنّ والذي هو نسخ الإتجاه إلى القدس في الصلاة بعد فشل تجربة «الصحيفة» التي حاول بها محمد دمج اليهود في «أمّة المؤمنين» التي دشّنها، وتعويضه بالإتجاه إلى الكعبة، كانت آيات زمنيّة أي تتعلّق بشؤون دنويّة مُتغيّرة. لكن لا بد من إصلاح بعض العبادات كالحجّ والصيام. شُرب كأس ماء كل نصف ساعة هو أمر طبّي مُلزم لسلامة الكِليتين والبروستات والجهاز الهضمي. فكيف يمكن الإمساك عن شرب ولو قطرة ماء واحدة طوال النهار خاصة في الصيف؟ يهدف الإصلاح الديني أيضا إلى تطهير الإسلام من العنف الشرعي حدودا أو جهادا ومن إقصاء المرأة وغير المسلم من حقوق المواطنة الكاملة. كما ينبغي أيضا تطهيره من العنف ضدّ الذات، أي عقاب الذات كتعبير عن المازوشية الأخلاقية التي هي الشعور الساحق بالذنب الذي لا مبرر موضوعيا له. مثل بعض شعائر الحج كرمي الجمار التي تُسفر في كل موسم عن مذبحة من تدوسهم أقدام الحجيج المتحمسين لرجم الشياطين المُقيّدة أمامهم، وهي تعبير صارخ عن هذا الشعور العصابي بالذنب الذي يتم تنفيسه في الشياطين المقيدة. تنفيس المشاعر المكبوتة صحي. لكن الثمن اليوم باهض. من الضروري أيضا إعادة النظر في المحرمات الغذائية غير المبررة طبيا وإلغاء العادات الوحشية مثل ختان البنات والذكور الذي يعلمنا تاريخ الأديان المقارن أنه طقس فرعوني. الصحابة لم يُختنوا بعد إسلامهم ومحمد لم يولد مختونا كما تزعم الأسطورة.

n ما هي وسيلة التخلص من هذه العادات الفرعونية؟
nn أولا بمنعها قانونا وثانيا بتوظيف الإعلام والتعليم في إعادة تثقيف الوعي الجمعي بقيم الحضارة الإنسانية واللاعنف ضد الذات وضد الآخر.

n البعض لا يعترف بالنسخ في القرآن مُؤّولا له بأنه تعميم وتخصيص؟
nn إنكار النسخ متأخّر جدا وكان نتيجة للجدل الديني مع اليهود والنصارى الذين استغربوا أن يُغيّر الله العليم رأيه من لحظة إلى أخرى ممّا أحرج الفقهاء والمتكلمين فلجأوا إلى الهذيان أي إنكار الواقع le déni de réalité أي إنكار النسخ ضدّا على القرآن نفسه «وما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها أو مثلها». القرآن كان ينسخ نفسه لسببين، إمّا لتغّير الوضع بعد نزول الآية المنسوخة أو بطلب من الصحابة. يقول البخاري : "نزل القرآن بطلب من الصحابة" وأُضيف ونُسخ أيضا بطلب منهم. مثلا، نسخ الآية 65 من سورة الأنفال : "... إن يكن منكم عشرون صابرون يَغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا...". يقول لنا المفسرون أن المسلمين استعظموا هذه الآية وطالبوا النبي بنسخها فنُسِخت فورًا بالآية التالية لها : "الآن خفّف الله عنكم وعلِم أنّ فيكم ضُعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين..." (الأنفال، 66). وهكذا نُسخ ميزان القوّة الذي أقرّته الآية 65، أي مقاتل مسلم في مقابل عشرة مقاتلين مشركين بميزان قوّة جديد أكثر واقعية أتت به الآية التالية لها مقاتل واحد في مواجهة اثنين. هذه هي القراءة التاريخية للنّص التي ينبغي أن تقدّمها المؤسّسة المدرسية لأجيالنا الطالعة لتتشرّب تنزيل التنزيل في التاريخ كما فعل أبو بكر عندما نسخ حقَّ "المؤلّفة قلوبهم"، وكما فعل عمر وعلي ومعاذ عندما نسخوا آية الفيء. وكما نسخ الفقهاء الآية 282 من سورة البقرة : "إذا تداينتم بديْن إلى أجل مُسمّى فاكتبوه". كما نسخ الفقيه الونشريسي (القرن 15) حديث تحريم الزكاة على آل البيت. كما نسخ الشيخ الطاهر الحداد تعدّد الزوجات واللامساواة في الإرث بين الذكر والأنثى في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" (1930). وكما نسخ الشيح حسن الترابي سنة 2006 اللامساواة في الشهادة والميراث بين الذكر والأنثى وآية "سدرة المنتهى" التي قال أنها لا وجود لها، وأعاد في سنة 2009 نسخ الآية التي تحرّم على المسلمة الزواج من غير المسلم معترفا للمسلمة بالحق في الزواج من اليهودي والمسيحي والوثني السوداني.

n ألا ترى أن جماعات الفتاوى كما في المغرب أو النهي عن المنكر في السعودية تنطلق من اعتبار كل مسلم مسؤول عن صحة دين أي مسلم آخر، مسؤولة عما تسميه أنت تذويب الفرد في الجماعة ؟
nn بكل تأكيد، بالممارسة الجماعية التي تُذوّب الفرد في كل يتعالى عليه كالقبيلة والأمة حتى لا يوفر مجالا خاصا به للتأمل الروحي واختيار الشعائر التي تناسبه دون غيرها التي تفرضها عليه الجماعة. مثلا في كرة القدم التي ترمز لروح القطيع وللمنافسة بين فريقين أو أمتين تنفجر الانفعالات القبلية البدائية الصاخبة بين مؤيدي الفريقين المتنافسين. لكن ردود الفعل البدائية هذه لا تظهر في التنس أو الملاكمة. لأن المنافسة ليست بين قبيلتين بل بين فردين، في السعودية مثلا تتجسس الميليشيا الدينية عن الناس في كل مكان لتنهال عليهم بالضرب إذا وجدوهم متلبسين ب"البدع". ورغم عقم هذا القمع الذي نفر الشباب السعودي من الفرائض الدينية وأحيانا من الدين نفسه، فانهم مصرون عليه بعناد عصابي. تذويب الفرد في الأمة هو استمرار لتقاليد القبيلة في الجاهلية التي كانت تصادر حرية كل فرد من القبيلة لحساب روح القطيع القبلية، لحساب تذويب الفرد في القبيلة ليموت من أجلها في حروبها الحمقاء مثل أخذ الثأر حتى لناقة جرباء.

n تُلح منذ سنوات على ضرورة تشجيع استقلال الفرد وعدم تذويب الفرد في الأمة الذي اعتبرته وصفة للإرهاب. فهل تستطيع تلخيص الإجراءات العملية المساعدة على عدم تذويب الفرد في الأمة؟
nn أم الإجراءات هي إصلاح الإسلام الذي يؤدي إلى باقي الإجراءات الأخرى مثل تشجيع ميلاد الفرد والتدين الفردي وحصر الدين في المجال الخاص - عملا بالآية الكريمة "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضل إذا اهتديتم" - وتشجيع الاختلاط في المدرسة والنادي والسينما ووسائل النقل وفي كل مظاهر الحياة الاجتماعية، وتشجيع التعارف قبل الزواج والعلاقات الحرة ومنع الزواج المفروض وزواج الأطفال، وإدخال التربية الجنسية في جميع المدارس منذ الإعدادي، وفرض تحديد النسل وإعطاء الحق في الإجهاض اعترافا للمرأة بحرية تصرفها في جسدها ونزعًا لفتيل قنبلة الانفجار السكاني والتوقف عن تذنيب ملايين النساء العازبات. فقط في الشعوب البدائية أو ذات الذهنية البدائية مثل شعوبنا، المرأة العازب أو العاقر تعتبر نذير شؤم. وتشجيع تقرير الفرد لمصيره في حياته اليومية. باختصار الشروع منذ رياض الأطفال في تشجيع ظهور الفرد المالك لرأسه وفَرْجه يتصرّف فيهما بحرية في إطار القانون الوضعي العقلاني. هذه التدابير الضرورية تساعد على عدم تذويب الفرد في الأمة الذي تمارسه اليوم مدرسة اللامعقول الديني تحقيقا لهدف أقصى اليمين الإسلامي الرامي إلى تذويب الفرد في الأمة لتجنيد الفرد الذي مُسخ إلى مجرد رقم أي عضو في قطيع الأمة التي يعطي بها معنى لحياته التي لا معنى لها. وهكذا يقبل أن يَنْحَر وينْتحر من أجلها وأن يُطيع طاعة عمياء الناطقين باسمها من رجال ونساء أقصى اليمين الإسلامي، وضرورة تشجيع التعليم والإعلام لكل المناشط التي تشجع غرائز الحياة مثل تنظيم الحفلات والمهرجانات الموسيقية السنوية والإكثار من المسلسلات الخاصة بنجوم الغناء والموسيقى وأعلام الأدب الباسم وإحداث مواقع إنترنت وإذاعات وفضائيات غنائية وموسيقية لترويج المشاريع الفنية والثقافية والسياسية القائمة على تحالف العلم والتقدم والديمقراطية وفتح باب النقاش الحر على مصراعيه بلا محرمات دينية أو سياسية. ذلك يعني إيجاد تعليم وإعلام بديلين يشجعان البحث عن المعرفة الموضوعية والدفاع عن الفلسفة الإنسانية الجديدة المتمثلة في الدفاع عن قيم حقوق الإنسان على الإنسان وحقوق الطبيعة على الإنسان بدلا من كاريكاتور الإعلام والتعليم السائدين اليوم الحاملين لروح القطيع التي تمحو الفرد محوا.

n المهربون الدينيون في المغرب يسمون الموسيقى مزامير الشيطان. فما سبب هذا العداء للموسيقى ؟
nn أولا، أقترح تسميتهم بالناطقين باسم الجمود الديني. بالمناسبة يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي "من لم تطربه الموسيقى فقلبه ميت". عداؤهم للموسيقى وحتى للضحك هو تعبير عن الإكتئاب وغريزة الموت والانتحار الملازم له. وهذا معنى " القلب الميت " عند المتصوف الغزالي. أثبتت دراسات الدماغ أن الموسيقى تنمي الذكاء. في أوروبا الأطفال ينامون ويستيقظون، منذ الولادة، على موسيقى خاصة بكل شريحة عمرية.

n هل حقوق الإنسان هي الدين المدني؟
nnنعم، فقد طَوّرت القيم الدينية بعد دمجها في قيم الفلسفة الإنسانية وبعد تخليصها من العصبية الدينية. وهكذا غَيّر المقدّس موقعه من تقديس الأساطير والرموز الدينية إلى تقديس الشخص البشري. بإلغاء العقوبات البدنية المُذِلّة للجسد البشري بتشويهه بقطع يده أو يده ورجله من خلاف أو دقّ عنقه وإعدامه، هذه العقوبات المبرمجة في الدماغ البشري منذ العصر الحجري الأول عندما بدأ الإنسان يصيد بسلاحه الحجري الحيوان والإنسان خاصة الأطفال والنساء. تقديس الله وحده لم يعد كافيا لتوحيد مواطني كل دولة-أمّة نظرًا لاختلاف مفهوم الله عندهم أو حتى لغيابه عند بعضهم. أما تقديس الشخص البشري فكافٍ لتوحيدهم وراء راية احترام حقوق الإنسان والطبيعة التي ينبغي أن تكون هي جوهر العِقد الإجتماعي للقرن الحادي والعشرين. الصراعات الدينية والقبلية والاديولوجية الدامية في الدول الدينية مثل إيران... تشهد على استحالة اتخاذ الطائفة قاسما مشتركا بين المواطنين. مثلا في العراق والسودان الكرة توحد السني والشيعي والمسلم والمسيحي والوثني في السودان لكن الانتماءات الطائفية والدينية تمزقهم. الدولة الدينية تستمد شرعيتها من الدين، أما الدولة المدنية فتستمد شرعيتها من احترام القانون الوضعي العقلاني وفصل السلطات ومن احترام حقوق الإنسان. إصلاح الإسلام كفيل بتغيير القيم وإعادة تأسيسها عقلانيا. من هنا أهميّة تدريس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي لا يتجاوز بموادّه الثلاثين صفحتين أو ثلاث منذ الإبتدائي لتحديث العقلية الإسلامية التي يمثل تطويرها رهانا كبيرا للتصالح مع الحداثة أي مع العالم الذي نعيش فيه عسى أن نتحوّل من موضوع للتاريخ إلى مساهم في صنعه. وكذلك تدريس ملحقاته كالإتفاقية الدولية لحقوق الطفل، والإتفاقية الدولية لمنع التمييز ضد المرأة، والإتفاقية الدولية لحماية الأقليات.

n ماذا تقصد بإعادة تأسيس القيم الدينية عقلانيّا؟
nn شيئا قريبا من تغيير طبيعة القيم transmutation عند نيتشه. مثلا قيمة الأخُوّة لن تعود أُخوة بين المؤمنين فقط بل تتطور لتصبح أخوةً عابرة للثقافات والديانات، أخوة بين جميع المواطنين والبشر جميعهم بما هم متساوون في الحقوق والكرامة بصرف النظر عن دينهم وجنسهم ولونهم، ثم بين البشر والطبيعة أي الأشجار والحيوانات التي يُبيد التلوّث آلاف الأنواع منها تمهيدا لإبادة البشر أنفسهم. بالمثل، قيمة التضامن التي هي اليوم قيمة مركزية للعيش معا داخل كل بلد وداخل كل القرية الكونية. بالإصلاح الديني لا يعود التضامن غريزيّا ودينيّا بين أعضاء قبيلة المؤمنين بل يتطور ليغدو تضامنا واعيا ببواعثه وأهدافه الإنسانية التي تتعالى على الروابط العتيقة سواء كانت إثنية أو دينية. وهكذا فكثير من القيم الدينية قابلة للتطور إلى قيم عقلانية كونية في خدمة الانسان بما هو انسان – محض انسان – حتى عندما تكون ذات منشأ ديني. كالأخوة التي يجسدها الصليب الاحمر حيث يضحي شباب أحيانا بحياتهم من أجل انقاذ حياة الآخرين الذين لا تربطهم بهم روابط قومية أو دينية. فمتى نرى الهلال الأحمر يرقى إلى مثل هذا المستوى من الحس الانساني ؟

n تبدو متفائلا جدا في عالم تطحنه الأزمة ويموج بالتناقضات من كل نوع. قد يبدو تفاؤلك للبعض ساذجا عندما تتحدث عن الأخوّة البشرية بينما في الواقع العالم يعيش في صدام الثقافات، والعالم الإسلامي تأكله الحروب الدينية والطائفية؟
nn أنا أشتغل على سيناريوهين إثنين : المتشائم والمتفائل، وأراهن على هذا الأخير كمجرد إمكانية واعدة. متمنّيا أن لا تتحقق نبوءة فلوبير "المستقبل هو أسوأ ما في الحاضر" (L avenir, c est ce que le présent a de pire) أما إذا اشتغلت على السيناريو المتشائم أي الكارثي فلا يبقى لي إلا الصمت. فالعالم مهدّد بسلسلة من الكوارث كالعرائس الروسية يُغطي بعضها البعض. مثلا، انهيار مالي عالمي يغطي سيناريو الحمائية الجمركية، وهذه الأخيرة تغطي سيناريو الفاشية والحرب ، وهو السيناريو ذاته الذي اكتوت به البشرية في الثلاثينات ، ولكن هذه المرة يغطي سيناريو احتمال الحرب النووية ولو محدودة. ونتيجة لذلك ارتفاع حرارة المناخ إلى 4 درجات في مستقبل منظور، وهذا يغطي سيناريو انفجار آبار الميتان في البحار الكفيلة بإبادة النوع البشري.
استخدامي للسيناريوهين يستمد مشروعيته من فرضية أن الصيرورة التاريخية هي صراع بين الإتجاه المتفائل والإتجاه المتشائم وحصيلتهما هي التاريخ المتحقق فعلا. شعاري هو الحديث الشريف القائل : "إذا قامت الساعة وبيَد أحدكم فسيلة فليغرسها". إصلاح الإسلام هو هذه الفسيلة التي لا بأس من غرسها حتى في لحظة النفخ في الصور...

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article