- الجنّة رمز لرحم الأم 4

Publié le par Mahi Ahmed

  4- الجنّة رمز لرحم الأم


العفيف الأخضر

المحور: العلمانية , الدين , الاسلام السياسي

إصلاح الإسلام : دراسته وتدريسه بعلوم الأديان
حديث مع العفيف الأخضر
أجراه :
ناصر بن رجب ولحسن وريغ

4- الجنّة رمز لرحم الأم

بالمثل يقدّم تدريس علم نفس الأديان للتّلميذ والطالب إضاءة أخرى ثمينة تساعده على فهم الظاهرة الدينية عقلانيا. مثلا ماذا يقول علم نفس الأديان عن الظاهرة الدينية أي عن البعد النفسي لها؟ أنها ظاهرة نفسية. فقد اكتشف الإنسان الإعتقاد في كائنات ما فوق طبيعية، آلهة ثم إله، منذ ليل التاريخ عبر إسقاط صورة أبيه، رمز الحماية والحب، على أب آخر في السماء يقف إلى جانبه في أيام البأس واليأس ويقدم له العزاء والسلوى في الشدائد والمحن. وليس مصادفة أن القبائل البدائية تسمّي الله "الأب الذي في السماء" وكذلك يسمّيه المسيحيون. كما يعطيه المناهج لتأويل الرموز الدينية الأخرى كخلق حواء من ضلع آدم حسب أسطورة سفر التكوين التي تأوّلها فرويد بما هي تخييل إستمنائي
Fantasme de masturbation   وكالجنّة التي أوّلها فرويد بالحنين اللاشعوري لإقامة الجنين في رحم أمّه. ورمزية النار التي يمكن تأويلها ، في نظري ، بأنها ذكرى صدمة الولادة وصدمة الفطام. وقد تبنى الشيخ خالد محمد خالد في كتابه "من هنا نبدأ" (1950) تفسير علم نفس الأعماق للشيطان بأنه رمز اللاشعور حيث ترقد الغرائز العدوانية والرغبات الجنسية المكبوتة وفي مقدمتها الرغبة في الاغتصاب الراسخة في نفسية الذكور.
اللّسانيات تعلّمنا أن كل نصّ تقريبا هو مجاز لا يجوز أن يقرأ قراءة حرفية وأنّه "ما في الكون كلام لا يُتَأَوَّل" كما قال ابن عربي في فتوحاته. والتأويل بمفهومه اللساني والهرمينوطيقي هو قبر القراءة الحرفية للنص التي هي أحد أمراض الإسلام..
الفيلولوجيا موضوعها الفهم الموضوعي للحضارات القديمة من خلال التحقيق والتحليل النقديين لنصوصها الأسطورية والأدبية والدينية. بها استطاع المستشرقون تحليل وتحقيق وترجمة نصوص الإسلام كنولدكه وبلاشير مثلا.

 n ما المقصود بالهرمينوطيقا؟
nn هي تأويل النصوص خاصة المقدسة في موضوعنا. فهي تعلمنا أن النصوص والرموز خاصة الأسطورية والدينية فضفاضة وتحتمل معانِ عدّة مصداقا لقول الإمام علي "القرآن حمّال أوجه"، إذن يسمح بأكثر من قراءة واحدة. وتساعد تلامذتنا وطلبتنا وباحثينا على استخراج المعاني الأسطورية والرمزية الكامنة في النص بنقله من الإبهام إلى الوضوح لجعله مفهوما. التأويل، عكس التفسير العلمي، ليس منتجا لمعرفة علمية موضوعية تفرض نفسها على الجميع. بل هو تأمّل فلسفي أو صوفي. النص الديني برموزه يفتح آفاق تأويل لا حدود لها للقارئ الذي يحيّنه حسب عالمه المعيش ليعيد امتلاكه باعطائه المعنى الذي يلائمه وهذا ما نراه في التفاسير التي هي تآويل للنصّ القرآني حيث يلتقي عالَم الآية والعالم المعيش لكل مُفسر وقارئ. مصداقا لقول ابن عربي "ما في الكون كلام لا يُتأول " فعلا لأن التأويل هو مفتاح قراءة ما يقال أو يكتب تحت املاء اللاشعور حتى النوطاط الموسيقية تحتاج إلى تأويل. مثلا باخ، كما يقول مؤرخو الموسيقى كتب في مخطوطاته الروابط بين النوطاط بسرعة كبيرة حتى غدا يستحيل أحيانا معرفة مكانها الحقيقي، فيضطر عازفوه – يسمون باللغات الأوروبية مؤولوه interpréteurs - إلى الاجتهاد في تنزيل الروابط. حالة باخ هي حالة الفنانين والأدباء والشعراء والمتصوفة والأنبياء الذين تتزاحم في رؤوسهم الأفكار والصور والإلهامات والرموز والمجازات على نحو يجعلهم يتحكمون بالكأد في تنظيمها. من هنا ضرورة الهرمينوطيقا أي التأويل لدخول عالمهم الغني بشتى المدلولات المبهمة والمتشابهة أي المتعارضة غالبا. يقول بعض الباحثين أن 94 في المائة من آيات القرآن الكريم متشابهات إذن في حاجة إلى علوم التأويل الحديثة لتفكيكها وفهمها.
القراءة الهرمينوطيقية تمر بثلاث درجات : تبدأ بالمعنى الحرفي لتبرهن على أنه غير مقنع غالبا منتقلة إلى روح النص أي إلى معانيه المفهومة وأخيرا إلى الدرجة الثالثة القراءة المجازية للنص حيث يتجاور عالم مؤلف النص مع عالم قارئ النص في حوار قوامه الايحاء والاحتمال والترجيح. القراءة الهرمينوطيقية مارسها في الإسلام المتصوّفة وتفسير ابن عربي هو أحد نماذجها الأكثر نضجا، وهو للأسف لا يُدرس على حدّ علمي في أي كليّة دينية إسلامية. أضيف شخصيا إلى علوم الأديان علوم الأعصاب التي تَدرُس تركيب الدماغ ووظائف وآليات اشتغاله. اكتشافاتها في هذا المجال غيّرت راديكاليا المفاهيم الدينية القديمة. مثلا ظلّت البشرية منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام تعتقد أنها تفكر وتؤمن بالقلب إلى أن كشفت البيولوجيا العصبية أن الإنسان لا يفكر بقلبه بل بدماغه وتحديدا بقشرة الدماغ أي الخلايا العصبية – نورونات
neurones - المُنتجة للتصورات الذهنية من مشاعر وأحاسيس وانفعالات وأفكار... كل خلية من المائة مليار خلية عصبية في دماغنا تقوم بوظيفة محددة. مثلا خلايا القشرة الجبهية، وهي متطورة جدا عند الإنسان قياسا على ابن عمّنا الشامبنزي، متخصصة في الفكر العقلاني. خلايا الفصّ الصدغي الأيمن متخصصة في إنتاج الظواهر الدينية كالأيمان والتأمل الروحي والوجد الصوفي والوحي والنبوّة... هذا الإكتشاف تاريخي ينبغي تعليمه لتلامذة وطلبة التعليم الديني تنويرا لهم لإنقاذهم من التجهيل المنظم الذي تحشو به التربية الدينية العتيقة، في مدرسة اللامعقول الديني، أدمغتهم لإبقائهم رهينة لأساطير ما قبل تاريخ العلم. تعليم ديني يَستنير بالعلم هو الكفيل بتخليصنا من مدرسة اللامعقول الهاذي وشياطينها أي التزمت والتعصب والتطرف والعنف الديني، من فتاوى إهدار الدماء إلى تفجير الأحزمة الناسفة في المُصلّين الشيعة في العراق وفي المراهقين الإسرائليين المُسطفّين لدخول المرقص.
تدريس علوم الأديان ودراسة الإسلام بها سيُعلم أجيالنا الجديدة – عكس الأجيال التي كانت ضحية القراءة الحرفية – مُقاربة النصوص باعتدال ومعقولية، فلا تعود تردّد كالببغاء مع ابن حزم : "إن نصوص القرآن والحديث تُطاعُ لذاتها لا لِعِللها". عندئذ ستضع هذه الأجيال مكان كلمة "تُطاع" كلمة "تُفهم لِعللها لا لذاتها". وهكذا يصبح المطلوب فهم النص وليس الإستسلام للنّص صُمًّا وعِميانًا الذي هدم كل أساس معقول للحياة الإجتماعية والفكرية إلى درجة السقوط في الهلاوس والتخييلات والهذيانات الفردية والجماعية التي نعيشها اليوم. علوم الأديان مُجتمعة تقدم لنا معرفة موضوعية عن الدين تساعدنا على فهمه وتفسيره للتعامل معه بعقلانية أي بفكر يتساءل ويفحص بعيدا عن الرقابة الدينية المفروضة أو الذاتية للوصول إلى إسلام مسالم وفردي منفتح على باقي الأديان التوحيدية والوثنية ، علما بأن المؤمنين بالديانات الوثنية يمثلون 56 في المائة من سكان العالم. وتجاهلهم وبالأحرى التفكير في جهادهم لإدخالهم في الإسلام بحد السيف، طبقا لفقه الولاء والبراء الجهادي الذي بات خطرا على السلام الاجتماعي في أرض الإسلام وعلى السلام العالمي وخاصة على الإسلام نفسه الذي أوقفه اليوم في قفص الاتهام، جريمة واستحالة في وقت واحد. ولا شيء كحوار الأديان لتجاوز الولاء والبراء المنغلق على نفسه والذي يعتبر حوار الديانات الأخرى كفرا. ولا معنى لهذا الحوار إذا لم يشارك فيه أكثر من نصف البشرية. وهذا ما بدأ يعيه فرقاء هذا الحوار. فقد أَشركوا في مؤتمر حوار الديانات التوحيدية ممثلي الديانة البوذية التي هي اليوم من أكثر الديانات أتباعا وتسامحا. إذ تسمح للمؤمنين بها باعتناق أي دين آخر شاؤوا مع بقائهم بوذيين. هذه الروح البوذية المتسامحة والمسكونية (أي العالمية) كانت قوام الإسلام الأول ونصت عليه كثير من الآيات الكريمة مثل "واللذين يؤمنون بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك". وبهذا المعنى فالمسلم هو في الوقت ذاته يهودي ومسيحي وصابئ لأن هذه الديانات جميعا طريق للخلاص الروحي مصداقا للآية 69 من سورة المائدة "إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابؤون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون". فهذا الوعد القرآني يعتبر الأديان المعروفة آنذاك طريقا للخلاص الروحي. لكن هذه الآية، كعشرات الآيات الأخرى التي تتعارض مع التوسع الإمبراطوري على حساب الديانات الأخرى، التي اعتبرها الإسلام البدائي شرطا ضروريا وكافيا للخلاص الروحي، نسخها فقهاء الظاهر كما يسميهم الإسلام الصوفي. فقد نسخوا 75 آية اعترفت بالحرية الدينية وحرية الضمير والتسامح الديني وحوار الأديان بآية واحدة وحيدة قرؤوها كعادتهم قراءة حرفية هي "إنما الدين عند الله الإسلام". وهي جرأة فقهية ترقى إلى مرتبة الفضيحة. آية سجالية تنسخ عشرات الآيات المتسامحة ؟ وعلى مدرسة المعقول الديني اليوم أن تنسخ النسخ وترد الاعتبار لآيات الحرية الدينية المتطابقة مع العقلانية الدينية. وهو انجاز حققه الإسلام الصوفي بنسخه النسخ. سجل ذلك ابن عربي شعرا جميلا منه :
لقد كنت قبل اليوم أُنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
وقد صار قلبي قابلا كل ملة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
ومعبد أوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أَنّى توجهت ركائبه فالحب ديني وايماني...
ابن عربي نادر في تاريخ الإسلام بل ربما في تاريخ جميع الأديان. إنه حقا معاصر لنا إذ اعترف بالديانات الوثنية وساواها بالتوحيدية منذ ثمانية قرون. ومازال فقهاء الظاهر كما سماهم لا يعترفون حتى باليهودية والمسيحية زاعمين أنهما مجرد شريعتين نُسختا بالشريعة الإسلامية... لا بأس بتدريس هذه الأبيات في جميع المدارس وجميع البلدان في مادة حوار الأديان المطلوب استحداثها. ولتبدأ بذلك المملكة العربية السعودية التي تقود حملة حوار الأديان العالمية. ولا بأس بكتابتها بجميع اللغات على واجهة أبواب مؤتمرات حوار الأديان ردا على فقهاء التعصب الذين مازالوا يغرغرون "لا معنى لحوار الأديان مع البابا إلا بدعوته إلى دخول الإسلام". قارن هذا التعصب الأعمى بواقعة وفد نصارى نجران برئاسة أسقفهم إلى المدينة المنورة للحوار مع نبي الإسلام. كان اليوم يوم أحد ولما حان وقت إقامة القداس سأله الأسقف أين سنصلي يا محمد ؟ أجابه : في مسجدي. فصعد الأسقف إلى المنبر الذي يجلس عليه النبي وأقام القداس.
فلماذا لا يتبادل اليوم المؤمنون بجميع الأديان الصلاة يوما كل سنة على الأقل في معابد بعضهم بعضا احياءً لهذه السنة النبوية الحميدة. ولعل شيخ الأزهر المنحدر من الإسلام الصوفي، وريث الإسلام المكي الروحي المسالم، سيكون أول المبادرين لذلك بدعوة المسلمين للصلاة في الكنائس في عيد الميلاد ودعوة البابا شنودة للمسيحيين للصلاة في المساجد في عيد المولد النبوي.
دراسة الإسلام بعلوم الأديان هدفها تعليم أدمغة الناشئة التمرن على الصرامة المنهجية والانضباط المعرفي والفكر النقدي وهي العدة الضرورية لفهم النص وتفكيكه والنقاش فيه بلا محرمات مستبطنة مازالت حتى الآن تشكل عوائق تعتقل عقل المسلم فلا يعود قادرا على فهم موضوعه الذي يقف أمامه كالمذهول. كما أن هدفها أيضا جعل العلاقة بين المسلم والإسلام شفّافة. مدرسة اللامعقول الديني تعلّم أبناءنا تعجيز العقل عن فهم الإسلام بدعوى أن علوم العقل البشري غير المعصوم غير مؤهّلة لفهم كلام الله المعصوم كما تُعلّمه توظيف العقل في تبرير الدين. وفي كلتا الحالتين يكف العقل عن كونه عقْلاً يتعقّل الظواهر أي يُحللها مُفكّكا رموزها ومداليلها بعلوم الأديان التي تتعاون جميعا على جعل الدين بلا أسرار ولا ألغاز مستعصية عن الفهم وتجعله بالتالي أقل تزمّتا وتعصّبا ونرجسية وتطرّفا وعداءً للتجديد والتحديث الضروريين معا لاندماج المسلمين في العالم الذي يعيشون فيه بلا عُقد ولا شعور بالذّنب كما هي حالهم اليوم.

n أضفتَ أيضا الفلسفة لعلوم الأديان. فكيف تساهم الفلسفة في فهم الدين ؟
nn الفلسفة ضرورية لفهم الدين والحياة. لإنتاج الحكمة فيهما. العالم الذي نعيش فيه لا يحتاج إلى القوة بل إلى الحكمة. الفلسفة تدرب أدمغة التلامذة والطلبة على استخدام الفكر النقدي الذي يستدعي جميع الادعاءات الدينية والدنيوية للمثول أمام محكمة العقل لتحاول تبرير معقوليتها. كما تدرب الأدمغة على استخدام قوة الحجة بدلا من حجة القوة التي توشك أن تجعل العالم غير قابل للحكم وربما أيضا غير قابل للحياة. تعلمهم لذة الاكتشاف والفضول المعرفي أي ثقافة السؤال الذي حرمه الفقهاء. تعلمهم عدم الانخداع بندّاهة الإرهاب وأسطورتها عن القصر و 72 حورية اللواتي ينتظرن أمامه قدوم القاتل القتيل بعدما نفذ جريمته في الأبرياء، تعلم أبناءنا أن يهتموا بمستقبلهم الآن وهنا، تشفيهم من مرض الحنين إلى الماضي الذي هو حنين إلى فترة الطفولة، ومن البحث عن مفاتيح حاضرنا ومستقبلنا في ماضينا الذي فات ومات. الإصلاح الديني الشجاع هو الذي يطوي صفحة ثقافة الاستشهاد ويعوضها بثقافة احترام الحياة، حياتنا وحياة غيرنا. هذا هو درس الفلسفة أو جزء من درس الفلسفة.

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article