اليسار العربى.. هل قادر على النهوض؟

Publié le par Mahi Ahmed

اليسار العربى.. هل قادر على النهوض؟

 


محمد حمدي
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات     

قبل نحو شهر أصدر نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، كتابا بعنوان" اليسار العربي رؤيا النهوض الكبير.. نقد وتوقعات"، ويقع الكتاب في خمسة فصول تحوى معالجة مطولة لواقع اليسار العربي وأزمته ودوره وفعاليته النظرية والسياسية، وقراءة متغيرات العالم، وانعكاساتها على مجمل الحالة العربية، فكريا ونظريا، وعلى اليسار العربي بشكل خاص، إضافة إلى رؤية حواتمة لتطوير النظام السياسي الفلسطيني، ومعالجة الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية، وتوحيد اليسار الفلسطيني، وتطوير الفكر الماركسي بتطور وقائع الحياة والاكتشافات العلمية وتراكم الخبرات الميدانية، مع إطلالة على واقع اليسار العربي، من خلال الجبهة الديمقراطية في أربعين عاما.
وقبل أيام استضافت دمشق اجتماعا استثنائيا للأحزاب الشيوعية في العالم، شاركت فيه أحزاب من 45 دولة، بالتزامن مع الصعود الكبير للأحزاب اليسارية في أمريكا اللاتينية قبل عدة أعوام، مما يعطى إشارات على مراجعات داخل قوى اليسار العالمية، ورغبة في العودة أكثر قوة على مسرح السياسة الدولية والعربية.
ورغم أن حركة اليسار في العالم أصيبت بضربة قاصمة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991، في أعقاب المراجعات التي أجراها الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف، لكن محاولات إعادة إحياء أو بعث قوى اليسار لم يكتب لها النجاح في نهاية القرن العشرين، بسبب التحديثات التي أدخلها المفكر البريطاني أنتوني جيدنز على الرأسمالية بأفكاره التي عرفت باسم الطريق الثالث.
وتبنى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير هذه الأفكار بشكل واسع لخلق ما يعرف بالرأسمالية الرحيمة، بالجمع بين أهم ما يميز الرأسمالية وهو حرية السوق، وأهم ما يميز الاشتراكية وهو العدالة الاجتماعية.
وأدت هذه الأفكار إلى تراجع كبير لليمين الكلاسيكي في أوروبا وأمريكا، لصالح اليسار الغربي الأوروبي الجديد الذي اندفع في توقيت واحد ليسيطر على الحكم في خمس عشرة دولة أوروبية.. لكن الغريب أن اليسار العربي التقليدي ظل بعيدا عن التغييرات التي تحدث في أوروبا وأمريكا، ربما لأن تطوير الأفكار اليسارية جاء هذه المرة من الغرب وليس من الشرق كما اعتدنا!
لكن العالم الذي بدا أكثر إنسانية، "أو هكذا جرى تسويقه في ظل تحالف كلينتون بلير المدعوم أوروبيا" سرعان ما تعرض لنكسة كبيرة بصعود اليمين المسيحي في الولايات المتحدة أو ما يعرف باسم المحافظون الجدد، مما خلق رياحا يمينية عالمية ضربت العالم كله، وساهمت في صعود اليمين الديني والسياسي في الكثير من الدول العالم، قاضيا بذلك على انتعاشة اليسار الأوروبي الجديد، أو أي محاولة لسيادة رياح الاعتدال في العالم الثالث المكتفى منذ سنوات بسياسة رد الفعل دون أي جهود لتطوير أفكاره ومسلماته السياسية.
ورغم كتاب نايف حواتمة والكثير من الكتابات الأخرى والمؤتمرات والمراجعات فإن اليسار العربي لا يزال تائها، وربما في جانب كبير منه نخبوي بعيد عن الشارع الذي يموج بالحركة ويسعى إلى التغيير، ويبدو أن اليسار العربي غير قادر على مواكبة هذه التغييرات، لأن قياداته في معظم العالم العربي لا تزال تنتمي إلى حقبة الاتحاد السوفيتي السابق.. تحافظ على أفكار قديمة وغير قادرة على تطوير مثل هذه الأفكار أو ابتكار آليات مختلفة للتعاطي مع عالم تغير كثيرا.. وشوارع عربية لم تعد كما كانت في الستينات والسبعينات، وبالتالي يمكن أن نغير عنوان كتاب نايف حواتمة من رؤية النهوض الكبير لليسار العربي إلى تساؤل: هل اليسار العربي قادر على النهوض؟!

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article