الحزب الشيوعي السوداني وتجربة استغلال الدين في السياسة

Publié le par Mahi Ahmed

الحزب الشيوعي السوداني وتجربة استغلال الدين في السياسة

 


تاج السر عثمان

المحور: العلمانية , الدين , الاسلام السياسي     

راكمت الحركة السياسية السودانية تجارب واسعة في الصراع ضد استغلال الدين في السياسة منذ مؤامرة معهد المعلمين العالي في عام 1965م وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان ومحكمة الردة للاستاذ/ محمود محمد طه عام 1968م، ومؤامرة الدستور الاسلامي عام 1968 بهدف مصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية عام 1968م، وحتي تجربة قوانين سبتمبر 1983م والتي كانت من اكثر الفترات حالكة السواد في تاريخ السودان، وتم تكفير واعدام الاستاذ محمود محمد طه، وحتي قيام دولة الانقاذ الدينية عام 1989م والتي وجدت مقاومة واسعة من جماهير الشعب السوداني، اضافة الي ماتوصلت اليه الحركة السياسية المعارضة في ميثاق اسمرا عام 1995م حول (فصل الدين عن السياسة)، حتي تم توقيع اتفاقية نيفاشا نتيجة للضغوط الداخلية والخارجية والتي فتحت الطريق لمواصلة النضال من اجل التحول الديمقراطي.
ولخص برنامج الحزب الشيوعي السوداني المجاز في المؤتمر الخامس رؤية الحزب حول (الدين والسياسة) علي النحو التالي:-
((
1) تتأسس هذه الرؤية على احترام حزبنا لمقدسات شعبنا وأديانه:_ الإسلام والمسيحية والأديان الإفريقية، باعتبارها مكوناً أساسيا من مكونات وعيه ووجدانه وهويته، وبالتالي نرفض كل دعوة تتلبس موقف حزبنا لتنسخ او تستهين بدور الدين في حياة الفرد والاسرة، وفي تماسك لحمة المجتمع، وحياته الروحية، وقيمه الأخلاقية، وتطلعاته للعدالة الاجتماعية، ونعتبرها دعوة قاصرة وبائنة الخطل.
2) فوق ذلك يستلهم حزبنا ارفع القيم والمقاصد لنصرة المستضعفين وشحذ هممهم وحشد قواهم من اجل الديمقراطية والتغيير الاجتماعي وذلك على قاعدة الاحترام والتسامح الديني في بلادنا متعددة الأديان والمعتقدات، كنزوع فطري يتوجب علينا الإعلاء من شأنه، وتطويره، وتخليصه من علل الاستعلاء به، كما وبالثقافة او اللغة او العرق، وما يتولد عن ذلك من مرارات متبادلة بين مكونات شعبنا.
3) يرفض حزبنا أن يصبح الدين أداة نزاع في سياق الصراع الاجتماعي، وان نتخذ لهذا السبب بالذات، موقف المعارضة الفكرية والسياسية الحازمة ضد أي مسعى، من أي قوة اجتماعية، لاستغلاله في تحقيق أي مصالح اقتصادية وسياسية .وننطلق في موقفنا هذا، من حقيقة ان معيار الأغلبية والأقلية معيار سياسي لا ينسحب على قضايا الفكر والثقافة والمعتقد الديني والتي لا تحسم بالتصويت.
4) يبحث الحزب الشيوعي عن أصل استلاب إنسان بلادنا وعذاباته في عمق الصراع السياسي والاجتماعي حول علاقات الإنتاج الاجتماعية. ويتخذ هذا الصراع في الوقت الراهن، مثلما ظل يتخذ منذ عقود طوال، شكل ومضمون المواجهة بين مشروعين متوازيين تماماً : مشروع الدولة الدينية، من جهة، والذي تقف وراءه وتدعمه القوى الظلامية التي تتخذ من قدسية الدين دثاراً ودرعاً آيدلوجياً لتحقيق مصالحها الاقتصادية السياسية الدنيوية الضيقة، ومشروع الدولة المدنية الديمقراطية من جهة اخرى، والذي ترفع لواءه قوى الاستنارة والعقلانية السياسية التي تتطلع الى نظام حكم يراعي خصائص التعدد والتنوع اللذين تتميز بهما امتنا، بما يصون وحدتها الوطنية، واستقلال بلادنا، وسلامة أراضيه.
5) ويطرح الحزب أمامه مهمة قيام منبر واسع لتوحيد قوى الاستنارة في النضال من اجل الدولة المدنية الديمقراطية، ومواجهة التطرف والهوس الديني استناداً الى الخلاصات التي راكمتها خبرات شعبنا حول المخاطر الناجمة عن الدولة الدينية وإقحام قدسية الدين في السياسة.
6) نزع قناع الزيف عن البرنامج السياسي المعادي، باسم الدين، لطموحات الملايين من أبناء وبنات شعبنا، والرامي لوأد تطلعاتهم الوطنية والاجتماعية، وهو البرنامج الذي طالما ذاقت جماهير شعبنا ويلاته تحت دكتاتورية الجبهة الإسلامية، متحالفة مع الطاغية جعفر نميري، او منفردة بالسلطة منذ انقلابها عام 1989، ابتداءً من قوانين سبتمبر البغيضة، الى قوانين النظام العام والأمن والقوانين الجنائية المختلفة، حتى الجهاد باسم الإسلام ضد الشعب تقتيلاً وتعذيباً وتفرقة وقهراً)).
فموقف الحزب الشيوعي ينطلق من أن حرية العقيدة لاتنمو ولاتزدهر الا بتوفير العدالة الاقتصادية والاجتماعية بين الناس، ولايمكن للانسان أن يكون حرا في عقيدته في مجتمع قائم علي استغلال الانسان للانسان، كما ان القيم الروحية والاخلاقية السامية لاغني عنها في بناء المجتمع الديمقراطي الاشتراكي.
وقد اكدت تجارب استغلال الدين في السياسة منذ مؤامرة حل الحزب الشيوعي في عام 1965م، مما أدي الي الغاء سيادة حكم القانون واستقلال القضاء وخرق الدستور، ان ذلك يؤدي الي تمزيق وحدة البلاد والانقلابات العسكرية كما حدث في انقلاب مايو 1969م، وكذلك تجربة تطبيق قوانين سبتمبر 1983م، في ظروف المجاعة والضنك والفقر الذي كانت تعاني منه البلاد يومئذ، الي تصعيد نيران الحرب الأهلية واعدام الاستاذ محمود محمد طه، ونسف التسامح الديني مما أدي الي الفتنة الدينية وتمزيق وحدة البلاد حتي قامت انتفاضة مارس - ابريل 1985م. وفي ظل الدولة الدينية التي فرضها نظام الانقاذ بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، كان الحصاد المزيد من الفقر حتي وصلت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر 95%، اضافة لخصخصة ونهب ممتلكات القطاع العام، ورفع الدولة يدها عن خدمات التعليم والصحة..الخ اضافة الي الدمار الاخلاقي وانتشار الفساد ومصادرة الحقوق الديمقراطية من خلال التشريد والتعذيب واستنزاف الكفاءات بالهجرة خارج البلاد.
والآن تحاول مايسمي ب(الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة) أن تعيدنا مرة اخري لمربع التكفير واشعال نيران الحرب الأهلية مجددا وتمزيق وحدة البلاد ومصادرة الحقوق والحريات الديمقراطية، ونسف الجهود الجارية الان من أجل التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات والحل الشامل والعادل لقضية دارفور وتنفيذ اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات ودرء آثار السيول والفيضانات، وازالة الغلاء وتحسين احوال الناس المعيشية واقامة انتخابات حرة نزيهة تؤدي الي ترسيخ السلام والوحدة.

 

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article